مسألة الأنساب ودرجات القبائل، ماذا تعني عند الناس؟ وماذا تعني عند الله؟ روى البخاري رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:(سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم؟) -كانت قضية القبلية والنعرات والتفاخر بالأنساب مسألة لها ثِقَلٌ كبير ووزن عظيم عند العرب، (قالوا: أي الناس أكرم؟ قال: أكرمهم عند الله أتقاهم) فأجابهم بميزان الشرع، (قالوا: ليس عن هذا نسألك) يريدون شيئاً معيناً، الأنساب والقبائل، أي: أيُّ القبائل أعظم والأنساب أعظم وأعلى؟ قال:(فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله) يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
(قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم، قال: فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا) إذاً الذي هو شريف في الجاهلية، إذا أسلم وتفقه -شرطان- إذا أسلم وتفقه فهم خياركم في الإسلام.
وروى أحمد رحمه الله حديثاً حول هذا المعنى، عن عمر بن عبسة السلمي، قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض يوماً خيلاً، وعنده عيينة بن حصن بن بدر الفزاري، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أفرس بالخيل منك، فقال عيينة وكان من أهل نجد: وأنا أفرس بالرجال منك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وكيف ذاك؟ -هذا رجل من الأعراب جاء حديث عهد بإسلام- قال هذا الأعرابي: خير الرجال رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم، جاعلين رماحهم على مناسد خيولهم -لاحظ الوصف- لابسوا البرود -البرد الكساء المخطط- من أهل نجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت) لأن قبائل الحجاز مع النبي صلى الله عليه وسلم أسلموا قبل غيرهم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينبه إلى هذا المعنى فقال:(كذبت، بل خير الرجال رجال أهل اليمن، والإيمان يمان إلى لخم وجذامة وعاملة، ومأكولُ حمير خير من آكلها، وحضرموت خير من بني الحارث، وقبيلة خير من قبيلة، وقبيلة شر من قبيلة، والله ما أبالي أن يهلك الحارثان كلاهما، لعن الله الملوك الأربعة جمداء ومخوساء ومشرخاء وأبضعة وأختهم العمردة -وكانوا كفرة- ثم قال: أمرني ربي عز وجل أن ألعن قريشاً مرتين فلعنتهم -مثلما دعا عليهم بالقحط والسنين، والدعاء عليهم من اللعنة- وأمرني أن أصلي عليهم فصليت عليهم مرتين، ثم قال: عصية عصت الله ورسوله، غير قيس وجعدة، ثم قال: لأسلم وغفار ومزينة وأخلاطهم من جهينة خير من بني أسد وتميم وغطفان وهوازن عند الله عز وجل يوم القيامة) إلى آخر الحديث.
قال الهيثمي رحمه الله: رواه أحمد متصلاً ومرسلاً، ورواه الطبراني ورجال الجميع ثقات.
أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يبين لهذا الرجل الأعرابي، أن خير القبائل الذين سبقوا إلى الإسلام، هؤلاء خير القبائل في ذلك الوقت -وقت النبوة- من الذي سبق إلى الإسلام؟ مزينة وبعض جهينة، مزينة: قبائل أسلم وأهل اليمن الذين جاءوا مسرعين يريدون العلم، الذي رفضه غيرهم من كبار القبائل؛ هؤلاء أفضل، لماذا؟ في التصنيف القبلي عند بعض أهل الجزيرة هم أدنى، لكن عند الله وعند النبي صلى الله عليه وسلم بين له أنهم خير من كثير من القبائل، لأنهم أسلموا قبل غيرهم.
وكذلك من بني تميم من هو أشد هذه الأمة على الدجال كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم:(سيكونون في آخر الزمان خير الناس؛ لأنهم أشد الناس على الدجال) ولما تابعوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وغيرهم من أهل نجد كانوا خيراً من غيرهم من المشركين، وغيرهم من الذين رفضوا الدعوة في وقتهم، إذاً -أيها الإخوة- معيار القبائل والأنساب الذين سبقوا إلى الدين وآمنوا به، هذا هو المعيار.