كانت الحلقات على عهد السلف فيها تنظيم حسن، وترتيب جيد، ومن ذلك توزيع الدروس على الأيام، ابن مسعود يحدث الناس كل خميس، وكان ابن عباس يأتيه أهل التفسير، فإذا قاموا أتاه أهل الحديث وهكذا، حتى يأتيه أهل الشعر ويذاكرونه أبيات العرب.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة أبي الدرداء: وقيل الذين في حلقة إقراء أبي الدرداء كانوا أزيد من ألف رجل، ولكل عشرة منهم ملقن، يعني: ألف رجل، لكن كانوا مجموعات عشرة عشرة، وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائماً، فإذا أحكم الرجل منهم -ضبط التلاوة وقرأ القرآن على هذا الملقن وحفظ- تحول إلى أبي الدرداء يعرض عليه، فإذاً هذا الشيخ الكبير بعدما ينتهي الطلاب من الدورات؛ من ينتهي منهم يأتي الشيخ الكبير، فيعرض عليه ما تعلمه.
وقال الذهبي أيضاً في السير عن مكحول كانت حلقةٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يدرسون جميعاً، فإذا بلغوا سجدة بعثوا إلى أبي إدريس الخولاني فيقرأها ثم يسجد، فيسجد أهل المدارس، وقال يزيد بن عبيدة: إنه رأى أبا إدريس في زمن عبد الملك بن مروان وإن حلق المسجد بـ دمشق يقرءون القرآن يدرسون جميعاً، وأبو إدريس جالسٌ إلى بعض العمد، فكلما مرت حلقة بآية سجدة، بعثوا إليه يقرأ بها وأنصتوا له، ثم سجد بهم جميعاً.
من الآداب التي كانت موجودة في حلق السلف أن الصغار وأحداث السن لا يتكلمون قبل الكبار، فلا يوجد استعجال، ولا تعالم ولا تسرع ولا قلة أدب:(ليس منا من لم يوقر كبيرنا) يقول واحدٌ منهم: كان إذا تكلم الحدث عندنا في الحلقة أيسنا من خيره، أي: عرفنا أنه لا خير فيه، إذ كيف يتكلم بحضرة الكبار والعلماء والشيوخ ومن سبقه؟ فإذاً يوجد أدب جم.