وكذلك في هذا الحديث من الفوائد: السعي في الأسباب؛ لأن هاجر عندما انتهى ما عندها من الزاد قالت: لو ذهبتُ فنظرتُ لعلي أحس من أحدٍ، وذهبَت صعدت الصفا ثم صعدت المروة سبع مرات بينهما تجري وتستنصت، وهي امرأة لا تملك شيئاً، لكنها فعلت كل ما في وسعها، ولم تقل: أبقى في مكاني حتى ينزل الله عليَّ من السماء رزقاً، ولذلك لا بد من الأخذ بالأسباب.
والله تعالى قادر على أن ينزل على مريم الرُّطَب من النخل بدون أن تهز النخل، لكنه قال:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً}[مريم:٢٥ - ٢٦] إذاً: أمرها بهز النخلة، مع أنه -بالعقل- النخلة من أقوى الأشجار، لا يمكن للرجال أن يهزوها، كيف تهزها امرأة؟! كيف إذا كانت المرأة في وضعٍ بعد وضع الولد؟! أضعف ما تكون:{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً}[مريم:٢٤] السَّرِي: النهر: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ}[مريم:٢٥] كيف تهز بجذع النخلة؟! لتعليم العباد الأخذ بالأسباب، والله قادر على أن ينزل عليها الرطب من غير هز.
وهذه هاجر رحمها الله تتطلب الأسباب، وتذهب وتصعد وتنظر وتستنصت لعل الله سبحانه وتعالى أن يقيِّض لها شيئاً.