[ثاني عشر: أن تكون العلاقة قائمة على مراعاة المصالح والمفاسد]
فلو كان الداعي إذا أمره بأمر تأكد نفوره، أو إذا ألزمه بأمر فوق طاقته لو داوم عليه لانقطع، فيكون لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، فإنه يراعي المفاسد التي قد تنشأ عن هذه الأمور، وهذه المسألة قد تدخل في بعض الأشياء التي سبق أن ذكرناها، وكذلك من مراعاة المفاسد ما سبق أن ذكرناه في موضوع التدرج من تحديثه بشيء لا يفهمه أو لا يعقله.
ومن مراعاة المفاسد أيضا ًأن بعض الدعاة قد يرى أنه لا فائدة من هذا المدعو، وقضاء الوقت معه مضيعة للوقت، فلا بد أن أتركه، فهنا لا بد أن يكون تركه له بحكمة، حتى لا ينقطع عنه بالكلية، فيصبح عدواً له، أو يشوه صورته، ويتكلم عليه في المجالس، فالترك بالتدريج وبحكمة، ولا يتركه فجأة فيكرمه ثم لا يجد هذا منه كرماً أبداً، ويكون يزوره فلا يجد منه زيارة أبداً، ويهتم به ثم لا يجد اهتماماً أبداً، وهكذا يحصل ما يحصل من الانعكاسات والسلبيات والمفاسد، ثم ليس من المصلحة قطع الخير عن هذا الشخص أبداً ولو أن الإنسان وجدت أن قضاءك للوقت معه مضيعة للوقت، فلا بد من الكلمة والكلمتين والزيارة والزيارتين، والإيقاظ للصلاة، على الأقل على أشياء لا تأخذ منك وقتاً ولا تستهلك منك جهداً.
ومن مراعاة المصالح في الدعوة: أن الداعية ينبغي أن يتفطن لتمييز الناس وانتقاء من يصلح لخدمة هذا الدين أكثر من غيره، فإن بعضهم يخطئ فينتقي الأسهل ولا يفكر بالأجود، وقد يكون الشخص الأحسن نفعاً للإسلام أصعب وقد يكون أشق، ولكنه إذا اهتدى يكون فيه نفع عظيم للإسلام والمسلمين، فعلى الداعية أن يتذكر.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كم كان فيه من العتو ومن التمرد، كان شخصية صعبة جداً، لكن عندما هداه الله، انتفع به الإسلام أيما انتفاع، ولذلك فالتفكير في المصالح في هذه القضية، وتحمل المدعو جيد المزايا حسن الشخصية وقاد الذهن، ولو كان صعب المراس أو صاحب معاصي ما لم تغلب مفسدة يكون أيضاً من مراعاة المصالح.
واعلموا أيها الإخوة أننا عندما نشتغل في الدعوة إلى الله لا نهمل الناس بأن نقول: هذا غارق في المعاصي لا نقترب منه، فإن الذين يستمعون (الدسكو) أو يستخدمون استشوار من الذكور في تصفيف شعورهم، لا ينبغي إلغائهم من قائمة الدعوة بالكلية فيمكن أن يكونوا من نجباء الدعوة في المستقبل.