للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إبراهيم يحاجج النمرود]

لم يكن إبراهيم بذلك الرجل يناقش الضعفاء والعامة ويترك الأقوياء والكبراء، وإنما كان يثبت الحق عند الجميع، لم يكن ليخاف في الله لومة لائم، ولذلك لما وصلت القضية إلى النمرود، قام إبراهيم لله بالحجة بين يديه فأمره ونهاه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} [البقرة:٢٥٨] ألم تر إلى هذا الحقير! ألم تر إلى وتتعجب منه ومن حاله وغروره: {أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة:٢٥٨] بدلاً من أن يشكر هذه النعمة إذا به يكفر ويشرك: {أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة:٢٥٨] بدلاً من أن يشكر نعمة الملك إذا به يدعي أنه رب، ويقول إبراهيم أمامه: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:٢٥٨] بكل صلافة ووقاحة، أنا أحيي وأميت، فيأخذ رجلاً ويقتله، وآخر حكم عليه بالقتل فيعفو عنه، ويقول: أحييته، فلما يرى الداعية الفقيه أن هناك مجالاً للطاغية أو للفاسق والفاجر في المناقشة في أمرٍ الحق فيه واضح، ولكن يريد أن يرد، ينتقل إلى أمر لا يمكن فيه أن يرد: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة:٢٥٨] بهت وتحير واضطرب وتغير وأسقط في يده، فماذا عساه أن يقول الآن؟ {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:٢٥٨] وهكذا قام إبراهيم لله بالحجة على هذا الطاغية.