قال في الشخص الثالث:(فأتينا على مثل التنور -في رواية- أعلاه ضيق، وأسفله واسع يوقد تحته نارٌ) إذاً هذا فرن أعلاه ضيق وأسفله واسع، قال:(فإذا فيه لغط وأصوات، وفيه رجالٌ ونساء، وإذا هم يأتيهم اللهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا) أي: صرخوا، وفي رواية:(فإذا اقتربت ألسنة اللهب ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت -أي: ألسنة اللهب- رجعوا).
هذا عقوبة الزناة والزواني، يجمعهم الله عز وجل في تنورٍ من نار، فهذا عذاب البرزخ للزناة والزواني.
لو قال أحد من الناس: ما عقوبة الزناة والزواني؟ لإننا لم نجد أشياءً في القرآن تُخبر عن عقوبة الزناة والزواني، فكيف تكون عقوبة هذا الزنا الذي انتشر الآن، هذه المواعدات بين الفتيان والفتيات التي تنتهي بالفاحشة في كثيرٍ من الأحيان، وهذه بيوت الدعارة، والأفلام التي تدعو إلى الفاحشة فيقع الناس فيها، وهؤلاء الناس الذين يُسافرون إلى أماكن الخنى والفجور ليقعوا في الفواحش، أو أولئك الذين يذهبون إلى الفنادق أو يحضرون الحفلات ليقعوا في الفواحش، ويركبون في سفن كالفنادق، ويقعون في الفواحش، والذين يذهبون شرقاً وغرباً، هؤلاء الزناة والزواني ما عقوبتهم؟ الآن إذا كانت هذه العقوبة في البرزخ، تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، ويأتي اللهب من الأسفل ويرتفع هؤلاء الزناة والزواني في صياح من الألم، ثم ينزل اللهب فينهارون معه، ثم تصعد الألسنة فيصعدون، وكُلمَّا أوشكوا على الاقتراب من فوهته رجعوا مرة أخرى وهكذا إلى قيام الساعة، وهذا الفرن ورد أن رائحته موخمة منتنة، وأن من شراب أهل النار ما يخرج من القيح والصديد من فروج الزناة والزواني.
إذاً هذه الفاحشة العظيمة لما حرَّمها الله، وقال:{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}[الإسراء:٣٢].
معناها: أن العقوبة عليها شديدة، وإذا كان هذا في البرزخ المؤقت الذي ينتهي، فيكف يكون في نار جهنم؟ لا شك أنه سيكون أشد، لأن عذاب البرزخ أهون من عذاب النار، في البرزخ يُعرضون على النار عرضاً، لكن إذا قامت القيامة يدخلونها دخولاً؛ ولذلك قال الله تعالى عن قوم فرعون:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا}[غافر:٤٦] هذا عرض يفتح له باب من النار، ويأتيه من سمومها وحميمها، هذا فقط في البرزخ ثم بعد ذلك يوم القيامة:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر:٤٦].