ثالث عشر: نحن نحتاج إلى التربية للوصول إلى الشخصية الإسلامية المتكاملة.
بعد التربية بأنواعها التي سنتحدث عنها إن شاء الله في مناسبة قادمة، وبعد الفترة التي يأخذها الإنسان في مشوار التربية، ما هو الغرض؟ الوصول إلى أي شيء؟ التربية تحقق لنا الوصول إلى الكمال البشري بحسب درجاته بالنسبة للأشخاص، أي صورة للناس تلك التي ستطالعنا بعد بذل الجهد في التربية لشخصٍ ما؟ أي إنسان هذا الذي تربى إيمانياً وعلمياً وعقلياً وجسدياً؟ إنه الإنسان الصالح، اللبنة من القاعدة من الأساس، إذ هو جزء لا يتجزأ ما هي صفاته؟ تكامل في صفاته البشرية، ملامح التقوى والخشوع بادية عليه {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:١٣]{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}[الفتح:٢٩] ولكن هدوءه وحياءه لا يخدعانه فيظن الظان أنه ضعيف، كلا، فهو لا تنحني هامته إلا لله، وما عدا ذلك فهو قوي صلب العود، شديد المراس، فإذا ما حاول أحدٌ النيل من دينه {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}[الفتح:٢٩] ولكن هذه الشدة لا تمنع الرحمة بينه وبين إخوانه {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح:٢٩] في اللين والشدة مناسبات ومواقف، اللين للإخوة، والشدة على أعداء الله {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}[التوبة:٧٣] ولكن هذه الغلظة ليست فظاظة ولا فحشاً، ولا تفحشاً فهو حسن الأخلاق يألف ويؤلف، إنسان اجتماعي {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران:١٥٩]{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[فصلت:٣٤] وهو إنسان بعد التربية مستعلٍ بإيمانه {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:١٣٩] لكنه ليس متكبراً ولا مغروراً ولا مختالاً {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[لقمان:١٨] وهو عفيف عما في أيدي الناس، صقلته التربية فلا يهوي في الشهوات {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}[طه:١٣١] صامد في وجه الشهوات، ولو أحس بلذعها في أعصابه، لأنه تربى على قول الله:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور:٣٣] يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يفعل الخير متزنٌ معتدل في سلوكه وفكره وشعوره، لا يطغي جانب على جانب عقله يرده عن النزعات الطارئة والاندفاعات المفاجئة، يعيش واقعه، فلا يهيم في برجٍ عاجٍ من الأفكار والأحلام، متزنٌ في نظرته للدنيا والآخرة ومتوازن {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص:٧٧] ليس سلبياً لكنه عملي، قوة فاعلة في الأرض، يريد تحقيق هدفه والإنشاء والتعمير في هذه الأرض حسب المنهج الرباني، يشعر بمسئوليته المؤدية إلى انطلاق في العمل، تصوراته سليمة عن الله وأسمائه وصفاته عن الدين والحياة والشريعة والناس، ليس بينه وبين الناس حواجز، لا يختار العزلة في وقت العمل والبذل والتقديم.
فإذاً سنصل في النهاية بعد التربية إلى هذه الشخصية المتكاملة، هذا هو المفترض إذا سلكنا الطريق، وهذه الشخصيات المتكاملة هي التي تتكون منها القاعدة الصلبة التي سيقوم عليها المجتمع المسلم.