للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوقفة الرابعة: المواصلة على العمل والطاعة بعد رمضان]

عباد الله! إن الذي يتقي الله حق تقاته يواصل على الطاعة والعبادة، والله تعالى لما ذكر صفات المؤمنين لم يقيدها بوقت، ولم يخصها بزمان، قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:١ - ٣] ليس معرضين في رمضان فقط: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون:٤] متى ما دار الحول يزكي في رمضان أو في غيره، وبعض الناس إذا حال الحول في رمضان زكى ويهمل الزكاة في الأموال التي يحول عليها الحول في غير رمضان، فانتبهوا لهذه المسألة: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون:٥] ليس في رمضان فقط، بل وفي غير رمضان.

أيضاً: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:٦٣] دائماً هكذا مشيهم: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:٦٣] هكذا هم في العادة: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان:٦٤] هم باستمرار يفعلون ذلك، وليس قيام رمضان فقط، وهكذا من سائر صفات المؤمنين، والسبب أننا مطالبون بالعمل إلى الموت بأمرٍ من الله تعالى، مرسومٌ رسمه الرب، وأمرٌ صدر من الرب، قال الله عز وجل: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩] واليقين هو الموت، وقال الله تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} [مريم:٦٥] فلابد من الصبر والمصابرة على الطاعة.

وهذه وقفةٌ مهمة جداً في قضية الاستمرار على الطاعة، ولعله لهذا السبب شرع لنا صيام الست من شوال بعد رمضان، حتى لا تنقطع العبادة الجميلة وهي عبادة الصيام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام ستة أيامٍ بعد الفطر كان تمام السنة) {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:١٦٠] هكذا يقول الله تعالى، وفي رواية: (جعل الله الحسنة بعشر أمثالها) وفي رواية: (فشهرٌ بعشر ذي أشهر) وفي رواية: (صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة) ستة في عشرة بستين، ستون يوماً هي شهران مع الشهر الذي صمناه في عشرة بعشرة أشهر، فتمت السنة وفضل الله عظيم، وكرمه واسع، وهباته مستمرة، وعطاؤه لا ينقطع، لكن أين العاملون؟ فمن فعل هذا دائماً فكأنما صام عمره، من كان كلما صام رمضان صام ستاً من شوال، فإنه يكون قد صام العمر وله أجر صيام الدهر.