[أمثلة على الورع]
وبعض الناس يتركون المشتبهات ويفعلون المحرمات، وبعض الناس يتورع عن المشتبهات، ولكنهم يتركون الواجبات، يتورع عن الشبهات ولكنه يترك بعض الواجبات، وبعض الناس يتورع عن الشبهات لكنه يفعل المحرمات، وكمثال على هاتين المسألتين: أولاً: رجل توقى من درهم شبهة في ماله، لكن قضاء الدين الواجب لا يقضيه، فقضاء الدين واجب، لكنه مهمل في قضاء الدين، يدع صاحب الدين ينتظر ولو جاءه يقول: ما عنده، لكن تجده في بعض القضايا التي تتعلق بالأموال دقيق جداً وفي الأشياء المشتبهات ويتصدق بكذا ويفعل كذا، وهذا يوجد عند كثير من العامة.
ومن أمثلة الورع: الخروج من خلاف العلماء: فإذا كان عندك مسألة تستطيع إذا تصرفت تصرفاً معيناً ألا تكون قد خالفت أحداً من أهل العلم، فإذاً: الأحوط أن تفعل هذا الفعل لأن الخروج من الخلاف في كثير من الأحيان يكون من الورع.
ومن الورع: فعل ما يشك في وجوبه، فلو شك أحد في هذا الأمر أنه واجب، فهذا من الورع بشرط ألا يخالف السنة، وليس من الصحيح التوقف عن كل أمر فيه خلاف أي: كلما وجدت خلافاً في الأمر تقول: ما أفعل، لا.
فقد يكون الخلاف مرجوحاً، وبالتالي عندك فسحة أن تفعل.
مثلاً: في باب العبادات إذا كان عند أحد شبهة، هل العبادة هذه ثبتت أم لا؟ فعنده شك، فما هو الأحوط؟ هو الآن لا يعلم هل هي مشروعة أم غير مشروعة، فهناك احتمالات: عنده احتمال أن تكون مشروعة، واحتمال أن تكون مستحبة واحتمال أن تكون بدعة، فماذا يفعل؟ يترك لأن الأصل في العبادات الحظر حتى تثبت المشروعية.
وهناك نقطة مهمة وهي أنه ليس للإنسان أن يُلزم غيره بما تورع عنه هو، فمثلاً: أنت تشك في الدجاج الفرنسي -مثلاً- ما تأكل منه، لكن هل يجوز لك أن تلزم كل الناس بعدم الأكل منه وتقول: حرام عليكم يجب عليكم ألا تأكلوا، لا.
فالتورع لا يُلزم فيه الناس، قد ينصح مثلاً، تتباحث معه في الأمر لكن لا تلزمه بتورعك أنت، لأنه قد يكون عنده ليس بشبهة، والإنسان قد يتحمل الشدة في بعض الأمور على نفسه لكن -مثلاً- أقرباؤه أو نساؤه قد لا يتحملون ذلك.
وعلى العموم فإن الورع يختلف باختلاف حال الأشخاص والأحوال، فتطبيق الورع في زمن الصحابة غير زماننا، وكذلك لو كان شخصاً ملتزماً، فأنت تحثه بشكل أكبر على الورع، لكن قد لا تحث الشخص العادي على هذا الأمر لأنه قد لا يطيق فعله الآن فقد ينفر منك.
وكذلك مجالات الورع ليست سواءً، فالتورع في مجال المطعوم والمشروب، غير التورع في مجال الأثاث مثلاً، أيهما أشد المطعوم والمشروب أم الأثاث؟ طبعاً المطعوم والمشروب الذي يدخل في الجسم، ويتغذى عليه الجسم، لكن هل يعني هذا أنه إذا جاء واحد وقال: أنا عندي أموال ربوية ما آكل منها، والله ما آكل منها، ولا أشتري منها طعاماً ولا أدخل شيئاً حراماً على جسدي، لكن أنا اشتريت بها سيارة، فنقول أين الورع؟ هذه سخافة! صحيح أنك ما أدخلتها في جسمك، لكنك استعملت المال المحرم.
فالأموال الربوية حرام عليك، فبعض الناس يظن أن الورع عن الربا ما يدخله بطنه، لكن يمكن أن يستعمله في أشياء كالأثاث والسيارات ونحو ذلك، وهذا حرام، لكن بعضها أشد من بعض، والتورع في التدقيق في نفقات العبادة كالحج غير النفقات العارضة الأخرى، لأن الحج لا بد أن يكون من كسب طيب (وذكر الرجل أشعث أغبر يمد يده إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له).