[ضرورة الصبر والمصابرة في العمل للإسلام]
أيها الإخوة: إن القضية تحتاج إلى مكابدة، وإلى تعب نفس {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت:١٤] فهذا نوحٌ يدعو قومه تسعمائة وخمسين عاماً من غير كلل ولا ملل، هذه الهمة العالية من نبي الله الكريم في القيام بالواجب، وحتى التغلب على عيوب النفس يحتاج إلى مصابرة، قال ابن المنكدر: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت.
وكذلك قال ثابت البناني عن الصلاة: كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة.
وهذه العبارة توضح لك -يا عبد الله- كيف تتم المصابرة في موضوع مثل قيام الليل، الذي يكون شاقاً على النفس، ومراً عندما يحاول الإنسان أن يفعله وأن يطيل فيه، ولكن الحل والعلاج هو الاستمرار حتى تأتي الحلاوة، فإن الحلاوة قد لا تأتي إلا بعد وقت من الزمن.
أيها الإخوة: إن الاستمرار في الأعمال يرزق الإنسان به حلاوة إيمان يستشعر طعمها حتى يفارق الدنيا، فهذا ربيعة بن يزيد ما أذن المؤذن لصلاة الظهر أربعين سنة إلا وهو في المسجد، إلا إذا كان مريضاً أو مسافراً.
وهذا بشر بن الحسن الصفي، سمي بالصفي لأنه كان يلزم الصف الأول في مسجد البصرة خمسين سنة.
وهكذا كانت الأعمال ترتقي بهم من مرحلة إلى مرحلة حتى يحس المعاشر لهم أنهم يزدادون كل يوم، وهذه هي القضية العظيمة.
قال إبراهيم الحربي -رحمه الله- وهو من أصحاب الإمام أحمد عن شيخه: ولقد صحبته عشرين سنة صيفاً وشتاء، وحراً وبرداً، وليلاً ونهاراً، فما لقيته في يوم إلا وهو زائد فيه عما بالأمس.
يا مطعوناً في العزم: أين أنت والطريق؟! طريق تعب فيه آدم، وبكى لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، وأضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضر أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف نحن باللهو واللعب؟ أيها المسلمون: عباد الله! ليكن شعارنا: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:١٢٧] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:٢٠٠] كيف يهنأ المسلم بعيش ويرتاح له بال؟! وهو يرى أفراد أمته يجرون وراء اليهود والنصارى والكفار تشبهاً بهم.
وما جرى في يوم عيد الحب ببعيد، عندما رأيت أنواع هذه الترهات يبيعها الناس في أسواقهم، الورود والبطاقات، وترسل التهاني عبر شبكة نسيج العنكبوت، وغير ذلك من أنواع التبادل، وتتحدث القنوات عن قضية عيد الحب، وتنتهي الورود الحمراء من المحلات، وتتقاذف القلوب الأوراق المقصوصة وغيرها على هيئة القلوب، تتنقل في أيدي شبابنا وبناتنا.
هذه الغيرة التي تأخذ بنفس الإنسان المسلم، والحسرة والغصة مما يتجرعه من هذا المرأى الشنيع لبنات وشباب من آباء وأمهات مسلمين، يعيشون مع المسلمين، ثم يصل بهم الانحدار إلى أن يركبوا مركب الكفار، ويسيروا في ركبهم، ثم تعمل الحفلات، وتسمع عن الديجيه وغير ذلك من أنواع الموسيقى والرقصات أناسٌ يهيمون في أودية إبليس، والشيطان يستجرهم هذا مثل واحد.
ثم تجد في المقابل مذابح الشيشان، وتجد الطعن في العيون، وبقر البطون، وأنواع الاغتصاب، والإذلال والمجاعة مدن تهدم بأكملها على رءوس قاطنيها، وعاصمتهم تغلق، ومحصورون في الجبال وفي الثلوج والجوع، ثم هؤلاء يهيمون في الأسواق والمراكز التجارية وعلى الشواطئ يلعبون بالكفر والتشبه بالكفرة تهدم العقيدة، ويزلزل الدين، ويتشبه بالكفرة الذين يقاتلوننا.
إذاً أيها الإخوة: القضية والله تؤجج للعمل، وتدفع للمنازلة، والقدوم إلى ساحة الوغى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، كفى لعباً، وكفى لهواً ونوماً وكسلاً، انفضوا ذلك الغبار، وقوموا لله بالواجب، وإلا فإن السفينة ستغرق والله.
اللهم إنا نسألك الهداية لنا وللمسلمين جميعاً، اللهم ردنا إلى الإسلام رداً جميلاً، ونعوذ بك من غضبك وعقابك، ونعوذ بك من همزات الشياطين وأن يحضرون يا رب العالمين.
اللهم فقهنا في ديننا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، اللهم اجعل حياتنا على التوحيد، واجعل مماتنا على التوحيد، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك.
اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً يا رب العالمين، ومن أراد بلدنا هذا بسوء فاشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم ومن أراد المسلمين في هذا البلد وفي غيره من بلدان المسلمين بسوء اللهم فأرنا فيه عجائب قدرتك يا رب العالمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.