[قصيدة رثاء]
تباركت ربي حين تعطي وتمنع تباركت ربي حين تدني وترفع
تباركت ربي عزةً وجلالةً إليك إذا ما احلولك الخطب نفزع
لك الخلق تقضي حكمة وتلطفاً وكل إلى الله المهيمن يرجع
لك الحكم إن ضاقت علينا وإن بغت ففضلك يا منان أرضى وأوسع
لك الأمر إن لاحت خطوب جسيمة فحفظك يا رحمان أقوى وأنفع
تباركت ثبت مهجة قد تفطرت وقلباً على وقع الرزايا يفزع
أتاك لظى دمعي وهمي وغربتي وآهات روحي والفؤاد المفجع
أعالج جمراً في الحشا وصبابة وتصلى على نار المصيبة أضلع
وأبكي فأستعزي بذكر حبيبنا فأسلو وما يجديك أنك تجزع
لعمري وإن كانت حياة طويلة فكل له في صولة الدهر مصرع
غرورٌ وأحلامٌ وهمٌ وحسرةٌ وظلٌ تولى والجديد يرقع
أأبكيك شيخ الزهد والعلم والتقى وقد حق أن أبكي فؤاداً يصدع
وتسلمنا الدنيا لبلوى ومحنة وللشر أنياب بها السم يلمع
لئن غبت جثماناً فوالله لم تغب وذكرك يبن الناس أبقى وأرفع
تراثك موصولٌ وعلمك خالدٌ وخيرك للغادي مصيف ومربع
وما مات من زانت بساتين فكره وفتواه في العلياء كالشمس تسطع
وما مات من أسدى إلى الحق عمره وقلبك بالأخرى شغوفٌ مولع
يهل كأن القطر من حسن قوله فتثمر أغصانٌ ويزهر بلقع
ركبت مطايا العزم تقوى وهمة وأنت لفعل الخير أدنى وأسرع
وأسدلت ثوب الزهد ثوباً مسربلاًً وذلك ثوب ليس والله يخلع
ومن ذاق طعم الأنس بالله حقبةً فليس له في عيشة الزيف مطمع
وغيرك يستعلي عروشاً كسيحة وأنت على عرش القلوب تربع
تفكرت في دنياك والأمن سابغٌ لمن كان لله المهمين يخشع
صلاةٌ وقرآنٌ وذكرٌ ومسجدٌ وحولك أجيالٌ وعانٍ وموجع
فأنَّى لظلم النفس حظٌ وإنما شغلت بفعل الخير والدرب مهيع
وكم قمت في عين الملمات فانثنت وأنت لحصن الدين باب ممنع
وقفت بشهر الصوم طوداً على الضنا تبش فلا تشكو ولا تتوجع
بلاءٌ لو استعلى على رأس شاهقٍ لخر من البلوى طريحاً يصدع
بليت وفي البلوى طهورٌ ورفعةٌ وفي غمرة السكرات تفتي وتنفع
ومن حولك الأجيال من كل بقعةٍ وأرواحهم تشتاق والدهر يسمع
فأنساهم خوفاً عليك من الردى فوائد حبرٍ عن قريبٍ تشيع
تركتهم جمعاً أقاموا على الأسى أعيذهمُ بالله من أن يضيعوا
ستخلدي يا ذكرى العثيمين معلماً على هامة الأيام تاجٌ مرصع
فوالله لا تنفك تبكيك أمتي ويأسى على ذكراك قلب ومدمع
فتاواك أنوارٌ وصوتك رحمةٌ ونصحك مثل الغيث والشرح ممتع
ونعشك أجفاني وقبرك مهجتي وذكرك للصحب المحبين منبع
لئن أودعوك اليوم في طيب الثرى فقد علموا من في ثرى الطيب ودعوا
وجاورت قبر الباز حباً وصحبةً عسى أن يكن في جنة الخلد مجمع
تخلد أعمال الدعاة وتزدهي وفاءً إذا ما زال كسرى وتبع
عليك سلام الله ما هل هاطل وما هب نسمٌ وانحنى متضرع
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠] قوموا فلنمت على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلك العبارات العظيمة، تلك الآية العظيمة والقاعدة الجليلة التي لأجلها وعليها استمر الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.