الوسيلة الثانية لحفظ الدين وهذا أمرٌ كلنا مأمورون به: أننا -جميعاً- معنيون بإقامة الدين أفراداً وجماعات عن طريق الدعوة إلى الله، فإن الدعوة إلى الله عز وجل وظيفة الأنبياء والمرسلين، ومن أجلها تحملوا المتاعب، وصبروا على الأذى، وقَاتَلوا وقُتِلوا في سبيل الله عز وجل، لا يمكن أن يتصور قيام دين وانتشاره بدون دعوة إليه، وبيانٍ لمحاسنه، وتوضيحٍ لأحكامه وآدابه، وكشف الشبهات عنه.
إن كل صاحب فكرة يريد نشرها يقوم بالدعوة إليها، ويفعله أعداء الإسلام كثيراً، ويضحي بعضهم ويتفانى لأجل ذلك، فيعلنه، وينشره، ويعتمد الأموال لأجل ذلك والأفراد، وتُستَغل سائر الوسائل لنشر الأفكار من القلم إلى الإنترنت وهكذا يقومون بنشر الأفكار، وهكذا تقام المعاهد، وتقام دورات الإقناع، وهذا الجهد النصراني مثالٌ واضحٌ على ذلك، فهم يدرسون مقررات (كيف تقنع مسلماً بـ النصرانية) ونادراً ما تسمع أن مسلماً درس مقرراً، أو تدرب على الدعوة إلى الله عز وجل بشكلٍ مخططٍ له يكافئ الواجب الملقى على عواتقنا في سبيل نشر الدين، بل كثيراً ما نجد المسلمين في غاية التراخي والإهمال والتفريط في واجب الدعوة، أفلا يكون أولى بدعاة الحق الذين يعلمون صدق ما يدعون إليه، وأنه هو الدين الوحيد الصحيح أن يقوموا بالدعوة إلى الله عز وجل، خصوصاً وهم يرون أن الكفار ينشرون الدعوات المغرضة عن الدين بكل وسيلة ممكنة، ويحاولون غرس المفاهيم التي تناقض مفاهيم الدين، ويشوهونه باستخدام الوسائل المختلفة المسموعة والمقروءة والمرئية كل ذلك تشويهاً للدين، ثم نحن نتقاعس عن الدعوة، والرد، وبيان حقيقة الدين! أليس هذا تفريطاً ما بعده تفريط؟! إن ترك الدعوة تهديدٌ واضحٌ لوجود الدين، وطمسٌ لمعالم الدين، وإن ترك الدعوة هو ترك المجال للكفر للظهور، وإفساح المجال للكفرة لتشويه الإسلام عند الآخرين، ويفعلونه في وسائل كثيرة يشوهون الدين وأهل الدين، ولذلك كانت الدعوة إلى الله من أعظم الوسائل وأنفعها لحفظ الدين، والله قد قال:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}[آل عمران:١٠٤] فأول صفتهم أنهم يدعون إلى الخير {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[آل عمران:١١٠] وهذه من الدعوة، وقال سبحانه وتعالى:{وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[القصص:٨٧]، وقال سبحانه:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[النحل:١٢٥]، وقال سبحانه:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف:١٠٨]، وقال صلى الله عليه وسلم:(بلَّغو عني ولو آية).
ماذا قام كل واحد منا بهذا الشأن؟ سؤالٌ يوجهه كل إنسان إلى نفسه: هل دعوت غيرك إلى الإسلام يوماً ما؟ إن كان كافراً دعوته إلى اعتناق الدين الجديد، وإن كان مسلماً مفرطاً دعوته للتوبة والعودة والتمسك بالدين الذي هو عليه، فالدعوة تشمل تعليم الدين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والرد على المخالفين، وكشف الشبهات، وفضح المخططات، ليكون الدين واضحاً للناس، فهذا شيءٌ أساسيٌ أنزله الله تعالى في صميم هذا الدين.
إن هذا الدين يعلو ولا يعلى عليه، فكيف سيعلو ولا يعلى عليه إذا لم يقم أهله وأصحابه وأبناؤه بالدعوة إليه؟ الدعوة الدعوة يا عباد الله! فإن فيها تعليماً للجاهل، والذي لم يسمع بالدين من قبل، وكذلك فيها كشف للشبهات، وإظهارٌ للحقائق الواضحات، وتفويت للفرصة على أعداء الإسلام، وتحقيقٌ لشمول الدين وعمومه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}[سبأ:٢٨].