لقد كان لهم مواقف تربوية في تعليم الأخلاق، وحسن الخلق، قيل للحسن البصري: إن فلاناً اغتابك -الآن ما هو التصرف المتوقع- فبعث إليه طبقاً من الحلوى، وقال: بلغني أنك أهديت إلي حسناتك فكافأتك.
هذا موقف مؤثر في النفس، وهل ترى مثل هذا سيغتاب الحسن مرةً أخرى؟! هذا طبق حلوى فيه موعظة، ليس فيه حلوى بل فيه موعظة.
وفي تواضعهم -رحمهم الله- مواقف تربوية كيف يتعلم الطلاب التواضع عندما يرون الشيخ متواضعاً؟ سأل الدارقطني أحدُ تلاميذه، وقال: هل رأيت مثل نفسك؟ قال الدارقطني: قال الله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}[النجم:٣٢] فقال: هل تعرف أحداً أحفظ منك يا شيخ؟ قال: يقول الله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}[النجم:٣٢] وكذلك سئل ابن حجر رحمه الله: أنت أحفظ أم الذهبي؟ فسكت وما أجاب.
والمواقف التي تُنقل عن العظماء والأجلاء، عندما يأتي أحدهم إلى الإمام أحمد -رحمه الله- ويتمسح به، فينتفض ويدفع الشخص ويزجره، ويقول: عمن أخذتم هذا؟! من أين أخذتم هذا؟! والذي يأتي ويقول له: ادع لي، يطلب الدعاء؛ فيزجره الإمام أحمد -رحمه الله- ويذهب، ويقول: مني لا يطلب الدعاء، أنا أدعو لك! فإذا خلا بنفسه دعا له، والذي يقول له: جزاك الله عن الإسلام خيراً، فيقول: بل الإسلام جزاه الله عني خيراً، ومن أنا؟! موقف تربوي عندما يكتب ابن تيمية -رحمه الله- لـ ابن القيم خطاباً، ويقلب ابن القيم الخطاب ويجد مكتوباً وراءه:
أنا الفقير إلى رب البريات أنا المسيكين في مجموع حالاتي
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي
عندما يقرأ التلميذ كلام الشيخ في ذمه لنفسه، هذا هو الشيء الذي يُعلم التواضع، وليس أن يمدح بعض الناس، فكأنه يقول: زد قليلاً زد قليلاً.