وأما مذهبه في تفضيل الصحابة: فيرى أبو عبيد -رحمه الله- أن أفضل الصحابة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وهذا الذي عليه جمهور الأئمة، وأن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة؛ لكن القلة من أهل السنة يقدمون علياً على عثمان في الفضل؛ لأشياء عندهم في مناقب علي، رجَّحوا بها أن علياً أفضل من عثمان؛ لكن جمهور أهل السنة على أن عثمان في الفضل بعد الصديق وعمر.
وقال أبو عبيد: فعلت في البصرة فعلتين أرجو بهما الجنة: أتيت يحيى القطان وهو يقول: أبو بكر وعمر وعلي -أي: في الترتيب- فقلت: معي شاهدان من أهل بدرٍ يشهدان أن عثمان أفضل من علي، قال: من؟ فقلت: أنت حدثتنا، عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن النَّزَّال بن سبرة قال:[خطبنا عبد الله بن مسعود فقال: أمَّرْنا خير من بقي ولَمْ نأْلُ] فالصحابة كونهم اجتمعوا وعلي موجود وعثمان موجود وانتخبوا، واستشار عبد الرحمن بن عوف الناس، حتى استشار العجائز في البيوت، فاتفقت كلمتهم على عثمان، ولذلك ما أجْمَعَت الأمة على خليفة من الراشدين مثلما أجمعت على عثمان، فبيعة أبي بكر حصل فيها شيء كما في حادثة السقيفة، وعمر كانت بِوَصِية من الصديق، وعلي -رضي الله عنه- حصل ما حصل في توليته، لكن الأمة ما اجتمعت على خليفة في توليته وتعيينه مثلما اجتمعت على عثمان، فاستشار عبد الرحمن بن عوف الناس ثلاث ليالٍ لم يكتحل فيها بنوم، فاجتمعت كلمتهم على عثمان، وما اختلفوا في شأن تقديم عثمان، فقال ابن مسعود:[أَمَّرْنا خير من بقي -أي: أنه أفضل من علي رضي الله عنه- ولَمْ نأْلُ].
فقال يحيى بن سعيد القطان: ومَن الآخر؟ -الشاهد الثاني- قال: قلت: الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن المسور بن مخرمة، قال:[سمعت عبد الرحمن بن عوف يقول: شاورت المهاجرين الأولين، وأمراء الأجناد، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أرَ أحداً يعدل بـ عثمان] قال: فترك قوله -أي يحيى بن سعيد القطان - من نتيجة المناقشة مع أبي عبيد، ترك قوله في تقديم علي على عثمان - وقال: أبو بكر، وعمر، وعثمان، إلى آخره.