للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأهل الصفة]

كان جل طعام أهل الصفة من التمر، حتى إنهم ربما اشتكوا أنه أحرق بطونهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليستطيع أن يوفر لهم أكثر من ذلك، فصبرهم وواساهم، وكان كثيراً ما يدعوهم إلى طعام في بيته، إذا جاءه طعام دعا أهل الصفة.

وقد جيء النبي صلى الله عليه وسلم مرة بإناء من لبن، فقال لـ أبي هريرة: ادع أهل الصفة.

فشربوا منه كلهم بمعجزة عجيبة حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يطعمهم مما يأتيه، فمرة (حيس) وهو الطعام المطبوخ من التمر والدقيق والسمن، وجاءه مرة طعام مصنوع من شعير، وجاءه مرة شيء من اللحم، فكان يعطيهم ويقول لهم: (والذي نفس محمد بيده، ما أمسى في آل محمد طعام ليس شيئاً ترونه)، لا نخفي عنكم شيئاً.

وكان أبو هريرة رضي الله عنه يصاب بالجوع الشديد، حتى إنه ربما كان يخر في الصلاة ويغشى عليه من الجوع، حتى يقول بعض الأعراب: إن هذا مجنون، وكان يصرع بين المنبر وحجرة عائشة لما به من الجوع، والناس يظنون أن به جناً، ولكن قلة الطعام هو السبب في خروره والغشيان عليه، وكان ربما لا يأكل الواحد منهم إلا التمرة أو التمرتين، ومع ذلك قنعوا بالقليل من الطعام والخشن من الثياب، وعافت نفوسهم النعيم، لأجل الزهد والعبادة وطلب العلم ونصرة الله ورسوله، والخروج في جيوش الفتوح، والجهاد في سبيل الله تعالى.

وكان صلى الله عليه وسلم يقدر لهم هذه المواقف، فكان يزورهم ويتفقد أحوالهم ويكثر من مجالستهم، ويرشدهم ويوجههم إلى قراءة القرآن ومدارسته، وإذا جاءته صدقة سارع بإرسالها إليهم، وكذلك فإنه عليه الصلاة والسلام جاءته فاطمة فطلبته خادماً، فزار علياً وفاطمة في بيتهما، فوجدهما قد اضطجعا على فراشهما، فجلس بينهما وقال: (ألا أدلكما على شيء خير لكما من خادم؟ قالا: بلى يا رسول الله! فقال: إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين)، وقال لصهره وبنته: (لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تلوى بطونهم من الجوع).

وكان عليه الصلاة والسلام يحث الصحابة على الاعتناء بهم، فكان يقول: (من كان له طعام اثنين فليذهب بثالث -أي: من أهل الصفة- وإن أربعة فخامس أو سادس) فيمر أي صحابي عنده طعام فيأخذ واحداً من أهل الصفة يتعشى عنده، وآخر يمر ويأخذ واحداً آخر وهكذا، وكانوا يجيئون لهم بالماء ويضعونه بالمسجد، وبعض الصحابة من الأنصار ما عنده مال، فكان يذهب يحتطب ويبيع الحطب ويعطي ثمنه لأهل الصفة.