ننتقل إلى قسم آخر من الشخصيات النسائية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، إنها شخصية المرأة المسكينة المظلومة، إنها خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، التي قال لها زوجها كلاماً منكراً مشيناً محرماً: أنتِ علي كظهر أمي، أنتِ محرمة علي مثل أمي، صارت لا هي مطلقة ولا زوجة إنما صارت معلقة، فظاهر منها فظلمها زوجها، فجاءت تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا لا بد أن تأخذ النساء درساً في أن التوجه يكون إلى أهل العلم شكوى الحال طلب الحل طلب الفتوى جواب السؤال حل المشكلة يكون بسؤال أهل العلم، إلى من ذهبت خولة رضي الله عنها؟ ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلب الحل تطلب الحكم:{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا}[المجادلة:١] محاورتها مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو عليه الصلاة والسلام ما عنده جواب، ولكن الله الرءوف الرحيم يرعى المرأة، والله سبحانه وتعالى قد سمع قولها بسمعه سبحانه وتعالى، فلم يرض عز وجل أبداً بالظلم، ولا يرضى سبحانه وتعالى مطلقاً بالظلم، وإنما حرمه على نفسه وعلى العباد، فأنزل من أجل هذه المسكينة آيات تتلى إلى يوم القيامة لكي تحل المشكلة لكي تزول.
تقول: يا رسول الله، نثرت له بطني حتى إذا كبر سني ورق عظمي ظاهر مني، أشكو إلى الله، والله إذا لجأ إليه الضعيف فإنه ينصره، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم:(دعوة المظلوم ترفع إلى الله على الغمام، يقول الله: لأنصرنك ولو بعد حين)(دعوة المظلوم تصعد إلى السماء كشرارة) كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، تصعد مثل الشرارة سريعة جداً لذلك نزل الجواب، تقول عائشة:[سبحان الذي وسع سمعه الأصوات! إني في ناحية البيت ما أسمع ما تقول] تجادل الرسول صلى الله عليه وسلم، لكني لا أسمع تفاصيل القصة، لا أسمع تفاصيل الحوار، وإذا بالآيات تنزل مباشرة:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}[المجادلة:١].
إنني أقول بهذه المناسبة: أيتها الأخوات الكريمات! إلى من يجب الذهاب في حل المشاكل؟ إلى من يجب اللجوء في الاستفتاءات لأهل العلم الثقات؟ إنني أنعي وأقول بأسف: إن بعض النساء يذهبن في حلول المشكلات إلى أصناف من البشر الله حسيبهم على ما خربوا ولوثوا وأفسدوا وأضلوا من جمهور المسلمين، يذهبون إلى من يعتبرونهم شيوخ، وأنهم علماء وعندهم علم، وهم جهال ربما يكون الواحد منهم أجهل من سائله في هذه المسألة التي يسأله عنها، فيفتيه بغير علم، فيَضل ويُضل ويحمل أوزار من أضله على ظهره يوم القيامة، ولذلك بعض النساء تكتب إلى أناسٍ أو تتصل بأناس تظنهم شيوخاً وليسوا بشيوخ، أو بعض النساء تكتب مشكلتها إلى محرري المجلات والصحف، وهذه قضية خطيرة جداً، ولقد اطلعت على قصص كتبت فيها بعض البنات والفتيات مشكلاتهن، يردن الخلاص من المشكلة لكن تظن الواحدة منهن أن الحل عند محرر الجريدة وعند كاتب الصحيفة، وهو خبيث رجس نجس يريد أن يتسقط هؤلاء البنات، لكي يصل إلى مآرب من وراء نشر رسائلهن في هذه الجريدة أو تلك المجلة، ولذلك فإنني أتعجب جداً عندما أقرأ في بعض المجلات أو الجرائد أو يصل إلى علمي مثلاً أن بعض النساء يكتبن إلى أولئك القائمين على تحرير تلك الصحف، مع أنهن يعلمن جيداً بأن تلك الصحف والمجلات تنشر الأمور السيئة وتنشر الفجور والخنا والخبث بين الناس وتفسد المجتمع، وينطبق عليهم قول الله:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا}[النور:١٩].
أقول: كيف بالله عليك تلجئين إلى مثل هؤلاء، ألم يقل الله:{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النحل:٤٣]؟ لماذا لا نتصل بالثقات من العلماء نكاتبهم نراسلهم نكلمهم هاتفياً؟ لماذا لا نلجأ إلى كتب العلم؟ لماذا لا نلجأ إلى طلبة العلم؟ نقول: ابحثوا لنا في الكتب، هاتوا لنا الأجوبة؟ لماذا لا نستمع إلى البرامج الإسلامية المفيدة، مثل برامج الفتاوى، أشرطة الفتاوى؟ يمكن أن هذه المسألة التي يسأل عنها الآن أو مسجلة في الشريط قد تتعرضين أنت لها في المستقبل، فإذاً يكون عندك الجواب.
فهذا درس آخر يؤخذ من قصة خولة بنت ثعلبة رضي الله تعالى عنها.