[النظر في حسن الخاتمة وسؤئها وتذكر الموت]
وكذلك أيها الإخوة: من علاجات ضعف الإيمان: التفكر في حسن الخاتمة وسوء الخاتمة، واستعراض القصص التي تعرفها عن حسن الخاتمة وسوء الخاتمة يجعلك أكثر حماساً في الطاعة، ويجدد الإيمان في القلب، وأحوال الناس التي ذكرت عن حسن الخاتمة وسوء الخاتمة في كتب الأولين كثيرة، ومنها ما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتاب الداء والدواء وفي غيره من الكتب.
يقول ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر: ولقد سمعت بعض من كنت أظن فيه كثرة الخير وهو يقول في ليالي موته: ربي هو ذا يظلمني،-تعالى الله عن قوله- اتهم الله بالظلم وهو على فراش الموت، فيقول ابن الجوزي رحمه الله: فلم أزل منزعجاً مهتماً بتحصيل عُدةٍ ألقى بها ذلك اليوم.
فأثرت في نفس ابن الجوزي هذه العبارة التي انطلقت من هذا الرجل الذي كان يظن به خيراً، وإذا هو يتهم الله بالظلم وهو على فراش الموت.
ومن ضمن العلاجات: نتداول قصص حسن الخاتمة وسوء الخاتمة التي نسمعها عن الناس اليوم، فهناك قصص كثيرة، تجلس في مجلس من المجالس، وتقول يا جماعة: من سمع منكم فلان كيف مات؟ فتأتيك القصص الواقعية! الحقيقة أيها الإخوة: أن تداول هذه القصص من الأشياء التي تجدد الإيمان، لأن الشيطان يقول لأعوانه عند الفراق لحظة صعود الروح عند قبض الروح، يقول: عليكم بهذا الميت، فإن فاتكم، لم تقدروا عليه آخر فرصة! ومن الأمور التي تجدد الإيمان في القلب: تذكر الموت، يقول صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هادم اللذات) حديث صحيح، أي: الموت، ولذلك أمر صلى الله عليه وسلم بزيارة المقابر، فقال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها، فإنها ترق القلب، وتُدمع العين وتُذكر الآخرة، ولا تقولوا هجرا) ما هي أهداف زيارة المقابر؟ لماذا أمر صلى الله عليه وسلم بزيارة المقابر؟ لأنها ترق القلب.
فإذاً: صلة قضية زيارة المقابر بتجديد الإيمان في القلب صلة وثيقة، فإنها ترق القلب، وتُدمع العين، وتُذكر الآخرة، وقراءة الأحاديث التي فيها وصف سكرات الموت وصعود الروح وعذاب القبر ونعيمه من الأشياء المهمة.
وربطاً بالنقطة الماضية وهي قضية حسن الخاتمة وسوء الخاتمة هذا حادث سيارة حصل قريباً، يقول لي أحد الذين كانوا في السيارة -وقد مات واحد ممن فيها:- كنا في طريق السفر، فاتفقنا على أن نستفيد من الوقت في سفرنا هذا، فكل واحد يأخذ فترة من الزمن خمس وعشر دقائق يحدث الآخرين فيها عن موضوع مفيد، فكان ذلك الشخص الذي توفاه الله في الحادث يتكلم لنا عن عذاب القبر ونعيمه، ثم حصلت الحادثة وتوفي هذا الشخص فيها.
فإذاً: معرفة عذاب القبر ونعيمه من الأمور التي تُساعد في تجديد الإيمان، وقد بلغ الأمر بالرسول صلى الله عليه وسلم أن يزور مقابر الكفار للاتعاظ، ويجوز لك يا أخي المسلم أن تزور مقابر الكفار للاتعاظ بغرض الاتعاظ، والدليل على ذلك ما ورد في الصحيح (أنه صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله) كانت نفوس الصحابة حية -هذا الفرق بين مجتمعنا والمجتمع الأول- فالتأثر كبير، لقد بكى وأبكى من حوله عند القبر، فقال: (استأذنت ربي بأن أستغفر لها، فلم يؤذن لي) لأنها ماتت على الكفر، ولا محاباة في أمور العقيدة، نوح نبي وولده كافر في النار، إبراهيم نبي وأبوه كافر في النار، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبي وأبوه وأمه وعمه وجده ماتوا على الكفر، قال: (واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تُذكر الموت).
ولذلك أيها الإخوة: من تمام استشعار هذه المواقف: أن يحضر الإنسان مثلاً تكفين الميت والصلاة على الجنازة وحمله على الأعناق، والذهاب به إلى المقبرة، ودفنه ومواراة التراب عليه، حتى تكون الصورة حية في الذهن، هذا غير ما تسمع أنت عن فلان ذُهب به وغُسل وكفن، فعندما تشاهد بنفسك يكون الأمر مختلفاً.
فالمعاونة تختلف عن السماع من بعيد، وكان السلف رحمهم الله يستخدمون التذكير بالموت فعندما يرون رجلاً يرتكب معصية، لكي يجددوا الإيمان الذي نقص في قلبه، فأدى إلى وقوع المعصية.
فهذا أحد السلف رحمه الله في مجلسه رجلٌ من الجالسين ذكر رجلاً آخر بغيبة، فقال رحمه الله مذكراً ذلك الرجل الذي يغتاب، قال له: اذكر القطن إذ وضعوه على عينيك -هو الآن يرى أمامه الرجل يغتاب، ماذا قال له؟ - اذكر القطن إذ وضعوه على عينيك، هذا التذكير وهذه الهزة كفيلة بأن تردع رجلاً عن ارتكاب المعصية، أو الازدياد والاسترسال فيها.