حياء الإنسان منه ما هو فطري، ومنه ما هو مكتسب هذا الحياء غريزة خلقها الله في قلب الأبوين: آدم وحواء، ولذلك لما عصيا وأكلا من الشجرة وظهر أثر المعصية بانكشاف العورة، سارعا إلى ستر عوراتهما بأوراق الشجر، بمجرد أن بدت لهما سوءاتهما طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، فاستحيا آدم وزوجه لما ظهرت العورة، وأرادا بسرعة أن يسترا العورة بورق الجنة، مسارعين إلى ذلك من خلق الحياء الذي خلقه الله فيهما، وهذا هو الأصل في البشر سلامة الفطرة، كل مولود يولد على الفطرة، كل مولود يولد وحياؤه معه، ولكن يفسد حياؤه من هذه التربية، إنهم يلبسون البنات من صغرهن ملابس فاضحة، وتنشأ البنات على هذه الملابس الفاضحة، وتكبر البنت وهي لا تزال تلبس هذه الملابس أمام إخوانها في البيت، وأمام الجيران والزوار، وتفقد البنت شيئاً من حيائها تدريجياً، والسبب هو التربية الفاسدة.
لقد ذكر الله في كتابه قصة المرأة التي تربت تربية صالحة هي وأختها حين كانتا ترعيان الغنم؛ لأن أباهما لا يستطيع العمل، فالمرأة لا تخرج للعمل إلا للحاجة هذا هو الأصل، الأصل:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[الأحزاب:٣٣] أما الخروج للعمل وللحاجة فيبينه قوله تعالى: {لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}[القصص:٢٣] لا يستطيع العمل فلذلك اضطررن وخرجن، لما سقى موسى ورجعت المرأتان أخبرتا الأب، فأراد أن يكافئه، فلما لم يستطع المجيء إليه أرسل ابنته، قال تعالى:{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}[القصص:٢٥] هكذا قال الله.
قال السلف: ليست بسلفع من النساء خراجة ولاجة، ولكن جاءت مستترة قد وضعت كُمَّ درعها على وجهها تغطيه استحياءً، بل إن تغطية الوجه من أيام الجاهلية، بعض نساء الجاهلية كما كانت امرأة النعمان الرجل الجاهلي تمشي ساترة وجهها، فوقع هذا الغطاء دون تقصد وكانت بحضرة رجال، فقال النابغة من فوره وتوه:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه بادرته واتقتنا باليد
فغطت وجهها بيد، وسارعت لأخذ الخمار باليد الأخرى.
فطر الله سبحانه وتعالى النساء على الحياء، لكن الوضع الحالي للنساء أفسد الكثيرات، ولذلك فهي خراجة ولاجة، لا حياء ولا حشمة ولا حجاب، تقارع الرجال في الأسواق، وتنازل الباعة في الأسعار وتضحك ملء شدقيها أمام الأجانب، وهذه أسواقنا شاهدة على قلة الحياء في هذا الزمن، وقد بلغ من تقدير الإسلام لخلق الحياء أنه بني عليه أحكام، فمن ذلك: ما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت:(سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها أتستأمر أم لا؟ فقال لها: نعم.
تستأمر، قلت له: إنها تستحي -إذا سألها القاضي أنت موافقة؟ البكر تستحي هذا هو الأصل- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذلك إذنها إذاً إذا هي سكتت) إذنها صماتها هكذا يعرف إذن البكر إذا استؤذنت، فإذا صمتت فيعني ذلك أنها موافقة.