الناس لهم سرعات تختلف بحسب أعمالهم في المرور على الصراط؛ لأن جهنم في الأسفل، واللهب يشتد، والنار لها زفير وشهيق، والمنظر من الأسفل في غاية الرعب؛ فإن جهنم من الأسفل توقد {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ}[الهمزة:٦]، وتختلف سرعة الناس في المرور على الصراط باختلاف قوة النور الذي يُعطى لهم؛ فالنور تابع للسرعة.
جاء في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ويمرون على الصراط؛ والصراط كحد السيف دحض مزلة، فيقال لهم: امضوا على قدر نوركم؛ فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب) هناك أناس يمرون على الصراط من الجهة إلى الجهة الأخرى كانقضاض الكوكب هل رأيت النجم عندما يرمى به في السماء بغاية السرعة مع المسافة الشاسعة؟ كذلك هم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ومنهم من يمر كالريح -كالإعصار في السرعة- ومنهم من يمر كالطرف -كطْرف العين- ومنهم من يمر كشد الرِّجِل أو الرَّجِل -أي: الراجل غير الراكب الذي يجري جرياً- يرمل رملاً، فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه، تخر يدٌ وتعلق يدٌ، وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فيخلصون بعد العنا الشديد إلى الطرف الآخر، فإذا خلصوا قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد أن أراناكِ، لقد أعطانا الله ما لم يعطِ أحداً).
وجاء في صحيح مسلم في صفة سرعة هؤلاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(فيمر أولكم كالبرق)، ولذلك لا يتأثر هؤلاء بجهنم مطلقاً؛ لا بخطاطيف، ولا بكلاليب، ولا بحسك، ولا بحد السيف، ولا بلهب النار، وهؤلاء هم أولياء الله، وكبار الصالحين، والعلماء العاملون (قلت: بأبي أنت وأمي! أي شيء كمر البرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح، ثم كمر الطير وشد الرجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلِّم سلِّم، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً) زحف على حد الموسى، أو حد السيف، مع الخطاطيف من أول جهنم إلى آخرها، هكذا جزاء الله تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}[الرحمن:٦٠]، ويقول الله في الحديث القدسي:(يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)، يكفي هذا الموقف موقف الصراط حتى نغير كل الطريقة التي نسير عليها، ومن كان يراوغ في الدنيا فليعتدل، ومن كان يعصي الله فليتب، والله لو عقلنا الصراط فقط من دون عذاب جهنم لاعتدل سلوكنا وتغير.
ثم يمر آخر واحد ويزحف زحفاً، جاء في حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(يرد الناس كلهم النار، ثم يصدرون منها بأعمالهم، فأولهم كلمع البرق، ثم كمر الريح، ثم كحضر الفرس، ثم كالراكب، ثم كشد الرجال، ثم كمشيهم) وهذا على حسب الأعمال، فكلما كانت حسناتك أكثر كلما كان مرورك أسرع، وكلما كانت حسناتك أقل كلما كان مرورك أبطأ.
وهكذا تكون السرعة على متن جهنم حسب أعمال العباد، حتى يكون آخر الناس مروراً على الصراط بعد الزاحف رجل آخر هو المسحوب؛ كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حتى يمر آخرهم يُسحب سحباً) رواه البخاري، يسحب على حد السيف سحباً حتى يجاز به إلى الطرف الآخر على متن جهنم.
وجاء في وصف آخر رجل في حديث ابن مسعود، قال:(ثم يكون آخرهم رجلاً يتلبط على بطنه، يقول: يا رب! لم أبطأت بي؟ فيقول: إنما أبطأ بك عملك) وهو صحيح عن ابن مسعود، وهذا لا يقال: إنه من جهة الرأي، فله حكم الرفع.
وهذا الأخير مع ما لقي من العذاب الأليم إذا جاز الصراط عدَّها نعمة ما بعدها نعمة، ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن آخر من يدخل الجنة رجلٌ يمشي على الصراط، فينكب مرةً ويمشي مرةً، تسفعه النار مرةً، فإذا جاوز الصراط التفت إليها -إلى جهنم- فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله -انتبهوا لعبارة الرجل؛ عبارة آخر واحد يجوز جهنم مع ما لاقاه من العذاب الأليم ما لم يعط أحداً من الأولين والآخرين)، إلى هذه الدرجة يستشعر الرجل النعمة، ويظن أنه ما أحد أعطي نعمة مثله من الأولين والآخرين من الأهوال التي رآها، فكيف بالذين يسقطون في النار؟!