للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التربية الإسلامية طريقة الأولين]

أولاً: إن التربية الإسلامية هي الطريقة التي ربى الله بها أوائل هذه الأمة بإنزال الكتاب عليهم، وكانت آيات هذا الكتاب العزيز تتنزل تترى منجمة، في مواسم متفرقة، ومناسبات مختلفة، تربي هذه الأمة، في معركة بدر أنزل الله آيات تربي المسلمين أن النصر من عند الله، وأن الذين رموا لم يكن رميهم بأنفسهم فقط {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧]، ولما حصل بينهم فشلٌ وتنازعٌ ومعصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانشغالهم في الدنيا وهزموا في غزوة أحد، ودفعوا الثمن غالياً دماءً وأشلاءً سبعين من المجاهدين المخلصين، نزلت الآيات في سورة آل عمران تربي الأمة على أسباب الهزيمة التي يجب عليهم أن يتقوها، وبينت لهم الآيات كيف أن الانصراف عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والانشغال بالدنيا من أعظم أسباب الهزيمة، وماذا كان يجب عليهم أن يعملوا؟ وما هي التضحيات؟ وما مدى الثبات الذي كان يجب عليهم أن يسلكوا طريقه؟ وفي معركة الخندق لما عمل المنافقون عملهم، نزلت الآيات في هتك أستار المنافقين، وتثبيت المؤمنين، وكشف دور اليهود وهكذا.

وبعض المؤمنين عندما انفضوا من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الجمعة من أجل قافلةٍ من التجارة قدمت، نزلت الآيات تربي أولئك القوم أنه لا يجوز لهم أن يفعلوا ذلك: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً} [الجمعة:١١].

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله كان يتلقى من الآيات ما يتربى عليه صلى الله عليه وسلم، فلما عبس في وجه ابن أم مكتوم الأعمى نزلت الآيات عليه تربية له وتذكيراً وتعليماً.

ولما حصل ما حصل في نفسه بشأن زيد بن حارثة وزواجه، قال الله له: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:٣٧] حتى قالت عائشة: [لو أن محمداً صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتم شيئاً من القرآن لكتم هذه الآية].

ولما تنازع بعض المسلمين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت الآيات موبخةً ومقرعةً على هذا التصرف الذي لا يليق.

ولما حصل من بعض المنافقين تناجٍ، نزلت آيات في فضحهم وتعليم المؤمنين ألا يتناجوا إلا بالبر والتقوى، ولا يتناجوا بالإثم والعدوان.

وهكذا وهكذا من الأمثلة الكثيرة والآيات العديدة الدالة على أن طريقة القرآن هي التربية، وأن الثلة والنفر من المسلمين المخلصين الأوائل إنما كانت تربيتهم في هذا القرآن، فإذا كنا مسلمين حقاً، ونريد أن ننهج نهج القرآن، فلا بد أن نسلك مسلك التربية.