أتت الأفكار والمذاهب الكفرية أو الغربية التي وضعت في بيئات ليست إسلامية أبداًَ، ولا يمكن أن تناسب البيئة الإسلامية، ولا يمكن أن تنجح في بيئة إسلامية، استوردت فكرياً وثقافياً وامتلأت بها كثيرة من عقول المسلمين، حتى إنك تجد مع الأسف ليس فقط من تعرفهم من المغرضين والمنافقين والمجرمين والمخربين هؤلاء ولكن المشكلة عندما نرى بعض المتحمسين للإسلام على الأقل في الظاهر يكتبون كتابات: اشتراكية أبي بكر، اشتراكية عمر، وتجد حتى العقاد في كتابه التفكير فريضة إسلامية يقول: ما الذي يمنع المسلم أن يعمل للديمقراطية أو يعمل للاشتراكية، أو يعمل للوحدة العالمية؟ وما الذي يمنع المسلم من أن يقبل التطور أو يقبل الوجودية في صورتها المثلى، إلى أن قال: إن عقيدة المسلم لا تمنعه من أن يكون اشتراكياً.
قضية تحكيم العقل في كل شيء، هذا مذهب المعتزلة قديماً، ولكن هناك فلسفات غربية مثل: فلسفة كمنت العقلية، نفس المنهج، حتى إن تصور أن بعض المسلمين تأثروا من فلسفة كمنت العقلية في تحكيم العقل في كل شيء أكثر مما تأثروا من فلسفة المعتزلة، مع أن المعتزلة نشأت في أوساط إسلامية، لكن من أرضية بدعية طبعاً، فتجد مثلاً محمد عبده ظاهر في أفكاره جداً تأثره بـ كمنت هذا وبفلسفته وبتحكيم العقل في القرآن وفي السنة.
ومع الأسف الشديد تجد أن هذه الجرثومة قد انتقلت إلى بعض المفكرين الإسلاميين مثل ما حصل لـ حسن الترابي في نزول المسيح عيسى بن مريم وقال: أنا لا أناقش الحديث من حيث سنده، وإنما أراه يتعارض مع العقل، ونادى بتجديد بعض كتب أصول الفقه وعنده آراء عجيبة غريبة.
وكذلك ما حصل من الغزالي المتأخر المسكين الذي تراجع تحت مطارق أعداء الإسلام وهم يتهمون الإسلام بأشياء، فحاول المسكين أن يدافع عنها بأمور فظهرت حديثاً في كتبه وكان لها أثر سيئ في بعض القراء الذين قرءوا له، وهذا الموضع طويل جداً وإنما كان لهذا الرجل أيضاً نصيب من تحكيم العقل في نصوص الشرع، فتجده يقول في إحدى محاضراته أمام الطلبة: تريدوني أن أذهب إلى بريطانيا لأدعو إلى الإسلام، وعندما يسألوني: هل يجوز للمرأة أن تتولى الحكم؟ أقول لهم: لا.
ويحكم عقله في أشياء كثيرة فيقول مثلاً: إن دية المرأة مثل دية الرجل، وأن الأحكام الفقهية أن دية المرأة نصف دية الرجل، هذا كلام مرفوض، يعني كلام طويل جداً وإنما كان هذا الرجل وغيره من الإسلاميين ليسوا من عموم المسلمين بل من الإسلاميين الذين يدافعون عن الإسلام قد تأثروا فعلاً وتشربوا كثيراً من هذا المذهب السيئ وهو تقديم العقل على نصوص الشرع.
ولذلك أنكروا أحاديث، كما ذكرت أحاديث نزول عيسى بن مريم الذي أنكره الترابي وكذلك مثل ما أنكر الغزالي حديث لطم موسى لعين ملك الموت، وأحاديث أخرى.