[فضل كلمة الإخلاص وآثارها]
قال" يا قوم! قلوبكم على أصل الطهارة، وإنما أصابها رشاش من نجاسة الذنوب، فرشوا عليها قليلاً من دموع العيون تطهر ".
" اعزموا على فطام النفوس عن رضاع الهوى " هذا من بليغ كلام ابن رجب رحمه الله افطم نفسك عنه الهوى، " فالحمية رأس الدواء ".
" متى طالبتكم -أي: نفوسكم- بمألوفاتها -أي: بهواها، قالت لك: انظر إلى الحرام، امش إلى الحرام، اسمع الغناء الحرام، كل الربا الحرام- فقولوا مقالة تلك المرأة لذاك الرجل الذي دمي وجهه: قد أذهب الله الشرك وجاء بالإسلام، والإسلام يقتضي الاستسلام والانقياد للطاعة.
ذكروها إذا اشتهت المعصية بقول الله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:٣٠] لعلها إلى الاستقامة ترجع.
عرفوها اطلاع من هو أقرب إليها من حبل الوريد، لعلها تستحي من قربه ونظره: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [لعلق:١٤] {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:١٤].
راود رجل امرأة في فلاة ليلاً، فأبت، فقال لها: من يرانا إلا الكواكب؟ قالت: فأين مكوكبها؟ أكره رجل امرأة على نفسها وأمرها بغلق الأبواب، فقال لها: هل بقي بابٌ لم يغلق؟ قالت: نعم، الباب الذي بيننا وبين الله تعالى، فتركها ولم يتعرض لها.
رأى بعض العارفين رجلاً يُكلم امرأة في ريبة، فقال: إن الله يراكما، سترنا الله وإياكما ".
المراقبة: علم القلب بقرب الرب؛ وصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يستحي من الله كما يستحي من رجل صالح من عشيرته لا يفارقه.
وقال بعضهم: استح من الله على قدر قربه منك، وخف من الله على قدر قدرته عليك.
وبعد أن انتهى ابن رجب رحمه الله من هذه المواعظ والتذكير بمعنى لا إله إلا الله المعنى الحقيقي الذي يغيب عن أذهان الكثيرين، عقد فصلاً في فضل لا إله إلا الله وفضائلها، وقال: إن لها فضائل عظيمة لا يمكن استقصاؤها، فلنذكر بعض ما ورد فيها: لأجلها خلق الخلق: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].
ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥].
ولأجلها جردت السيوف للجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، ما أنعم الله على العباد نعمةً أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، أعظم نعمة أنه عرفنا لا إله إلا الله.
ولا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا، من قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، وهي مفتاح الجنة ومفتاح دعوة الرسل، وبها كلم الله موسى كفاحاً، من قالها صادقاً أدخله الله الجنة، وهي ثمن الجنة، ومن كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة.
وهي النجاة من النار، سمع النبي صلى الله عليه وسلم مؤذناً يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: (خرج من النار) رواه مسلم.
وهي التي توجب المغفرة، وهي أحسن الحسنات، قلت: (يا رسول الله! - أبو ذر - كلمني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة، فإنها عشر أمثالها.
قلت: يا رسول الله! لا إله إلا الله من الحسنات؟ قال: هي أحسن الحسنات) رواه الإمام أحمد وسنده حسن.
وهي التي تمحو الذنوب وتحرقها رئي بعض السلف بعد موته في المنام فسئل عن حاله فقال: ما أبقت لا إله إلا الله شيئاً، أي: الحمد لله بإخلاصي فيها قد محيت ذنوبي.
وهي تجدد ما اندرس من الإيمان، كما في المسند عند عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن نوحاً قال لابنه عند موته آمرك بلا إله إلا الله، فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن في حلقة مبهمة، خصمتهن لا إله إلا الله).
وفي رواية: (قصمتهن) فهي تنفذ إلى كل شيء، قويةٌ غاية القوة، وبلا إله إلا الله ترجح كفة الحسنات، وترجح صحائف الذنوب كما في حديث السجلات والبطاقة وهو حديث صحيح، وهي التي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما قال: عبدٌ لا إله إلا الله مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنبت الكبائر) رواه الترمذي وحسنه وهو حديث حسن.
وقال أبو أمامة: ما من عبدٍ يهلل تهليلة، فينهنهها شيءٌ دون العرش.
التهليل لا يحبسه شيء عن الله، يصعد إلى الله مباشرة، وهي التي ينظر الله إلى قائلها: (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، مخلصاً بها روحه، مصدقاً بها لسانه؛ إلا فتق له السماء فتقاً -الله سبحانه وتعالى- حتى ينظر إلى قائلها من أهل الأرض، وحق لعبد نظر إليه أن يعطيه سؤله) رواه النسائي رحمه الله.
وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها كما جاء في الحديث الصحيح: (إذا قال العبد لا إله إلا الله، والله أكبر، صدقه ربه).
وهي الكلمة التي من يقولها في مرضه، فيموت لا تطعمه النار، وهي أفضل كلمة قالها النبيون كما ورد في دعاء يوم عرفة، وهي أفضل الذكر على الإطلاق كما في حديث جابر المرفوع: (أفضل الذكر لا إله إلا الله) وهو حديث حسن.
وهي أفضل الأعمال، وأكثرها تضعيفاً، وتعدل عتق الرقاب، وهي حرزٌ من الشيطان كما جاء في حديث الصحيحين: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يومه مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك) (ومن قالها عشر مرات، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل) أي: من أنفس الرقاب.
وفي حديث السوق: (من قالها -وأضاف فيها-: يحيي ويميت وهو حيٌ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع الله له ألف ألف درجة) حسنه بعض أهل العلم، وهي أمانة من وحشة القبر وهول المحشر، وشعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم، وهي التي تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية كما جاء في حديث عبادة في الصحيحين: (من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء).
وهذا الحديث الصحيح يبين عظمها وفضلها، وأن أهل النار أيضاً الموحدين لو دخلوا النار بتقصيرهم، فلا بد أن يخرجوا منها لأجل هذه الكلمة، كما جاء في حديث الصحيحين، يقول الله عز وجل: (وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله).
ولذلك إذا اجتمع الموحدون العصاة في جهنم مع المشركين، وقال المشركون: أنتم كنتم تقولون: لا إله إلا الله في الدنيا، ماذا أغنت عنكم؟ فيغضب الله لهم، فيخرجهم من النار ويدخلهم الجنة.
فإذاً ينجيهم الله بكلمة التوحيد ولو عذبهم فيها ما داموا من الموحدين ليسوا من المشركين.
كان بعض السلف يقول في دعائه: اللهم إنك قلت عن أهل النار: إنهم {أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة:٥٣]-أي: في الدنيا- {لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل:٣٨] ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن الله من يموت، اللهم لا تجمع بين أهل القسمين في دارٍ واحدةٍ.
قال رحمه الله في آخر رسالته: " إخواني! اجتهدوا اليوم في تحقيق التوحيد فإنه لا ينجي من عذاب الله إلا إياه "
ما نطق الناطقون إذا نطقوا أحسن من لا إله إلا هو