للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اللجوء إلى الله أيام الفتن]

أيها الإخوة: في الفتن نلجأ إلى الله، نعتصم بحبل الله، لا نغفل عن ربنا ولا عن ذكره، ولا عن مراقبته سبحانه وتعالى، ونذكره ولا نجعل ألسنتنا تلهج بذكر الأخبار فقط، وننسى ذكر ربنا، انتبهوا -يا إخواني- ويسألونك يقولون: ما حكم الخروج من المنطقة أو من البلد، فلقد قلنا عدة مرات، وأنقل الفتوى عن علمائنا وأكابر علمائنا: لا حرج لمن أراد أن يخرج ولم يكن لديه شيءٌ يوجب البقاء أن يخرج، فالإنسان الذي ليس رجل أمن مكلف بالبقاء ولا عنده شيء يجب أن يبقى من أجله، لو أخرج أهله إلى منطقةٍ أخرى فلا بأس، وليس هناك حرج شرعي، ولو أني فعلتُ ذلك مثلاً وذهبت بأهلي، وقد يذهب الإنسان أحياناً إرضاءً لوالديه، ما عنده سبب معين في البقاء، فتقول له أمه: تعال إلينا مثلاً، فيذهب إليهم فلا حرج شرعاً في ذلك، لا هو فرار من قضاء الله واعتقاد أنك لو هربت فأنت تهرب من قضاء الله، لا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا} [البقرة:٢٤٣] ممكن تلقاك المنية في الطريق، وكذلك ليس فراراً من الزحف، لأنك لم تحضر صف المعركة بين المسلمين والكفار وأنت تجاهد بسلاحك، وإنما أنت رجلٌ من عامة الناس (مدني) فلك الخيار إذا أردت أن تذهبَ أن تذهب، ولو كانت مصلحتك في البقاء، وعندك أعمال، وعندك وظيفة، وعندك عمال ترعاهم، عندك شيء، فإنك إذا جلست فلا بأس بذلك، فإذا صار الخطر محققاً، وهناك أمورٌ تنزل عليك فيها تدمير، فيمكن لك أن تخرج في تلك الحالة وجوباً فراراً من القتل، أو فراراً من الأخطار المحدقة مثلاً.

وكذلك -أيها الإخوة- فلابد أن يكون عندنا اهتمام بأذكار الصباح والمساء (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ثلاثاً في الصباح والمساء، وتأمل: (من شر ما خلق) وهذه تشمل الآدميين، وتشمل الأسلحة، وتشمل نفسك وتشمل كل شيء، من الدواب والعقارب والثعابين والنحل وكل شيءٍ يؤذي، فأنت تستعين بالله من شره، أعوذ بأي شيء؟ بشيء عظيم، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً، لا مبدل لكلماته سبحانه وتعالى، فأنت تستعيذ بكلماته عز وجل من شر ما خلق، وتقول: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم).

ومن المشروع الآن القنوت في الصلوات بعد الركوع من الركعة الأخيرة من جميع الصلوات سواءً قنت في الفجر والمغرب والعشاء، أو الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، فلا حرج في ذلك، كلها صلواتٌ قنت فيها عليه الصلاة والسلام، وثبت كما في الصحيحين ومسند أحمد، قنتَ عليه الصلاة والسلام للنوازل، وهذه من النوازل، وتدعو بالأدعية المناسبة، ويدعو الإمام بهم، فيدعو الله أن ينصر الإسلام، وينصر المسلمين، ويحفظ المسلمين وبلاد المسلمين، وأن يقمع الشرك والمشركين والكافرين، وأن يحفظ العباد والبلاد، والأهل والأنفس والأموال، وأن يقينا شرور النفس، وأن يمتع بالأسماع والأبصار.

يدعو الله سبحانه وتعالى في القنوت بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من الأدعية، وغيرها من الأدعية المشروعة الطيبة.

ثم -أيها الإخوة- إذا حصل أن سافر الإنسان، فلينو -فعلاً- أن يعمل هذا السفر طاعة، لأن بعض الناس قد يعمل السفر سفر هرب، وينسى أن ينوي السفر في طاعة، ولذلك ليس أجر الذي ذهب للعمرة طائعاً مختاراً مثل الذي ذهب للعمرة رغماً عنه، هناك أناس ذهبوا للعمرة رغماً عنهم، وأناس ذهبوا لصلة الرحم رغماً عنهم، لكن اجعل النية لله في هذا السفر لا هروباً فقط لو حصل، وإنما هو فعل الأمور من الطاعات الأخرى، وكذلك أنبه على مسألة الإيثار، الآن يوجد ناس فقراء، يوجد ناس مقطوعون، قد يتعذر عليهم شراء الأشياء من الأسواق، تفقد جيرانك، تفقد من حولك، إذا كان هناك ناس يحتاجون إلى مساعدة، هناك ناس عندهم نقص فيما يحتاجونه في البيت، وأنت عندك منها فأعطهم منها، قد تكون أشياء نفدت من السوق مثلاً، وعندك ما يزيد عن حاجتك، فاهدها إليهم، أو تصدق بها عليهم، هذا أوانٌ يظهر فيه هذا الخلق العظيم من أخلاق الإسلام، وهو الإيثار، فآثر وأعط وقدم وضحّ، وتصدق لله سبحانه وتعالى، فإن الصدقة في أوقات الشدة ليست كالصدقة في أوقات الرخاء، ولا تنسوا الصلاة على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم العظيم يوم الجمعة، ولا تنسوا أن من صلى على النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فله بكل صلاةٍ يصليها عليه من الله عشراً.