[عدم التردد والتحير]
من الأمور المهمة أيضاً: عدم التردد والتحير والتلكؤ إذا ظهر لك رجحان الأمر شرعاً وأنه من طاعة الله، بل ينبغي عليك الإقدام والإسراع، الذين {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء:٩٠].
ينبغي عليك أن تأخذ بجانب الحزم والعزم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل) وهذا في غزوة أحد حيث استشار القوم فأشار بعضهم بالخروج وأشار الآخرون بعدم الخروج فمال النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول الذين قالوا بالخروج من المدينة لملاقاة العدو ولبس لأمته، وكأن بعضهم ندم، قالوا: ربما أكرهنا النبي صلى الله عليه وسلم فراجعوه إذا كان يريد أن يقعد، يعني: ما عندهم مانع في ذلك، وهم يؤيدونه لكن النبي صلى الله عليه وسلم ما دام اتخذ القرار ورأى فيه المصلحة الشرعية بعدما شاور {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: ١٥٩] فقال: (ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل).
وهذا درس في مسألة رد التحير والاضطراب والتردد ونبذ هذا الكلام والإقدام على الأمر بالحزم والعزم.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد علمنا هذا المفهوم في حديث مهم، فقال عليه الصلاة والسلام: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) طبعاً القوي في كل شيء؛ في إرادته، وفي دينه وإيمانه وبدنه ومهاراته وقدراته.
(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) يعني: أقدم ولا تتردد لا تتحير لا تتخاذل لا تتكاسل، احرص على ما ينفعك؛ ما دام رأيت فيه المصلحة الشرعية.
(واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء -بعد كل هذه الإجراءات- إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان).
إذاً: الإرادة القوية تقتضي الحزم والإقدام والجرأة والشروع في العمل، ولا للتردد والحيرة والاضطراب.
وهذا الحديث رواه أحمد ومسلم.
وهذه اللفتة أيضاً موجودة في حديث مسلم لما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الراية، وجاء في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: (لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه.
قال عمر رضي الله عنه، أنه ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ).
بأي سبب؟ بسبب هذا الوصف يحب الله ورسوله، وهذا من ورع عمر رضي الله عنه ما كان يتطلع للإمارة إلا في هذا الموقف.
(فتساورت لها رجاء أن أدعى إليها.
قال أبو هريرة: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأعطاه إياها، وقال: امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك، فسار علي شيئاً ثم وقف ولم يلتفت فصرخ: يا رسول الله! على ماذا أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) الحديث.
ومن صفات القائد المسلم الذي يقود في معركة، أو في أي مجال آخر من المجالات أنه لا يتردد ولا يتباطأ لأن عامل الحسم عامل مهم في القيادة، إذا كان الكفار يتكلمون عنه في كثير من الأمور العسكرية والإدارية وغيرها نحن أولى وأحرى بهذا، بل هو من ديننا وعرفناه قبلهم من هذا الدين.
وإن عدم التكاسل والتردد يكون حتى في العبادة، في الصلاة، في السهو إذا غلب على ظنه، يفعل ما ترجح لديه، وإذا لم يغلب على ظنه شيء وشك يبني على اليقين ولا ينصرف عن صلاته وهو شاك فيها، إما أن ينصرف عن يقين أو غلبة ظن ويسجد للسهو.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (يا بن آدم لا تعجز عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره) هذه مثل: صلاة الضحى أربع ركعات في أول النهار تسبب الوقاية من الأحداث السيئة والأعراض والأمراض ونحو ذلك من الحوادث والأعراض السيئة.
(لا تعجز عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره) ويحتاج الإنسان في هذا إلى الصبر، وأن يكون جاداً، وأن يعقد قلبه على الشيء ويعزم؛ والعزم من مرادفات قوة الإرادة، قال الله عزوجل: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران:١٨٦].
فهناك أفعال تحتاج إلى عزيمة وقوة: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:٤٣] ليس كل الناس يستطيعون أن يصبروا ويسامحوا الآخرين.
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:١٧] فليس كل الناس يستطيعون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما يترتب على ذلك مع إقام الصلاة.
وتأمل في حال أولي العزم من الرسل، لماذا سموا بأولي العزم؟ هؤلاء الخمسة المقدمون عند الله عز وجل، كانت لهم إرادات تنفيذية على مستوى رفيع، {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ} [الأحقاف:٣٥].
ولذلك نحن نعزم ونتوكل على الله وننفذ ولا نكن كالعاجز الذي يتبع نفسه هواها ويتمنى على الله الأماني.
والإنسان المتعرض للشهوات ينبغي عليه أن يتدبر قول الله عزوجل: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٣٧ - ٤١].
فقوة الإرادة عند الشهوة أن تحضر قلبك وتحضر علمك وعزيمتك للوقوف أمام الشهوة {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:٢٣] (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها، فقال: إني أخاف الله رب العالمين) فهذا الرجل الذي قال: إني أخاف الله رب العالمين أمام هذا الإغراء ذات منصب وجمال مغرٍ؛ وربما ترغمه وتسجنه وتذيقه الأذى إذا لم يستجب، فاجتمعت المسألة من جوانبها ترغيباً وترهيباً، وهو يقول: إني أخاف الله رب العالمين، هذا صاحب إرادة قوية.