للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثغرة تعلم الدين وتعليمه النساء]

هناك ثغرة كبيرة في قضية الأحكام الشرعية وجهل النسوة بها، ودائماً إذا طرقنا مثل هذه المواضيع نحب أن نعود إلى الماضي لنتلمس ماذا كان يحصل في عالم الصحابيات الأول من هذه الأمة، وكان النسوة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسألن ويتعلمن ويعلمن وينقلن العلم، بل كن يساعدن النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم النساء.

عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، عن جدته أم سليم قالت: كانت مجاورة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت تدخل عليه، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت أم سليم: (يا رسول الله! أرأيت إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل؟ فقالت أم سلمة: تربت يداك يا أم سليم! فضحت النساء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أم سليم: إن الله لا يستحيي من الحق، وإنا إن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما أشكل علينا خيرٌ من أن نكون منه على عمياء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أم سلمة: بل أنت تربت يداك -أي: أنت أخطأت يا أم سلمة بطلبك منها أن تفعل الكلام واعتبارك السؤال الفقهي فضيحة- ثم قال: نعم يا أم سليم، عليها الغسل إذا رأت الماء، فقالت أم سلمة: يا رسول الله! وهل للمرأة ماءٌ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأنى يشبهها ولدها؟ هن شقائق الرجال) والحديث حسن بمجموع طرقه، وله ألفاظ متعددة.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع لإجابات النساء ويبادر إلى تعليم النسوة حتى ولو لم يطلبن ذلك كما حصل في خطبة العيد، لكن المرأة أيضاً هي التي تحمس النبي عليه الصلاة والسلام وتطلب منه درساً خاصاً، ويأتي وفد النسوة إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليقولن: ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا يوماً تأتينا فيه، فواعدهن يوماً معيناً في بيت فلانة؛ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فعلمهن.

إذاً النسوة هن اللاتي يطلبن العلم ويردن العلم، وكذلك فإنهن إذا سمعن شيئاً استأصلن واستفسرن كما جاء في حديث مسلم رحمه الله، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر النساء! تصدقن وأكثرن الاستغفار؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة -أي: ذات عقلٍ ورأي، لم تكن سفيهة، ولم تكن سليطة، ولا متمردة، لا بصياحٍ ولا اعتراض على النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما سؤالٌ متأدب- وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهب لذي لب -أي: صاحب العقل- منكن، قالت: يا رسول الله! وما نقصان العقل والدين؟ -استفسرت المرأة مرةً أخرى- قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل -فهذا نقصان العقل، وهذا شيء من خلقة الله للمرأة، المرأة ليس لها ذنب في هذا، الله سبحانه وتعالى خلقها هكذا، فيها هذه العاطفة التي قد تغلب عقلها كثيراً، فلأجل ذلك جعل شهادة امرأتين بشهادة رجل، فإذا أدت الشهادة كما أمر الله فليس عليها شيء أبداً- وتمكث الليالي لا تصلي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين) وهذا خبر وليس بوعيد؛ ما توعدهن على أنهن ناقصات عقلٍ ودين، إنما هو خبر يخبر عن شيء من أمر الله في خلقه في النساء، ولذلك فإنه صلى الله عليه وسلم بيَّن لهن وبيَّن للمرأة أنها: (إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت).

إذاً: عليها مسئوليات معينة ينبغي القيام بها.

المرأة أيضاً كانت تساعد النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم، وهذا واضح من قصة عائشة رضي الله عنها لما جاءت امرأة تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأمرها كيف تغتسل، قال: (خذي فرصةً ممسَّكةً؛ -وهي قطعة من الصوف أو القطن فيها شيء من الطيب­- فتطهري بها، قالت: كيف أتطهر؟).

إذاً: هي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سألته أسماء عن غسل المحيض؟ قال: (تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى تبلغ شئون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصةً ممسكةً فتطهر بها، فقالت أسماء: فكيف تطهر بها؟ فقال: سبحان الله! تطهرين بها، وفي رواية: تطهري بها، قالت: كيف أتطهر؟ قال: تطهري بها، قالت: كيف؟ قال: سبحان الله تطهري) النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يقول أكثر من ذلك.

هنا يأتي دور المرأة؛ المرأة مع المرأة، الرجل ليس من المناسب أن يشرح هذا، والنبي عليه الصلاة والسلام كان أشد حياءً من العذراء في خدرها؛ العذراء التي ليس لها عهد بالرجال، إذا كانت في مخدعها فدخل عليها رجلٌ أجنبي فجأة فماذا يكون حالها من الاستحياء؟ هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها، فهنا تدخلت عائشة هذا التدخل الحكيم، قالت عائشة: (فاجتذبتها وقلت: تتبعي بها أثر الدم) فأرشدتها عائشة إلى غسل مكان خروج دم الحيض بهذه الفرصة الممسكة أو المطيبة.

وهذا الحديث يدل على استعمال الكنايات فيما يتعلق بالعورات، والاكتفاء بالإشارة في الأمور المستهجنة.

ويدل كذلك على سؤال المرأة العالم عن أحوالها التي يحتشم منها، وعدم ترك المسألة بغير سؤال، وتبقى المرأة على جهلها وهذه مصيبة.

وكذلك على المرأة أن تستر عيوبها حتى عن زوجها، ولو كانت هذه العيوب مما جبلت عليها، وهي هذه الرائحة الكريهة، فإنها تتخلص منها حتى لا يتأذى الزوج.

وكذلك فيه تعليم النساء بعضهن بعضاً فيما يستحيا من ذكره في حضرة الرجال، فالمرأة لما راجعت النبي عليه الصلاة والسلام تدخلت عائشة بالشرح إنقاذاً للموقف، وصيانة للنبي صلى الله عليه وسلم.

أقول: يا أيتها المرأة! الآن نحن في عالم يسود فيه الجهل، ووجد نساء لا يعرفن أن صلاة الفجر ركعتين فتصلي أربعاً، وعدد من النساء يصلين صلاة الظهر يوم الجمعة ركعتين تظن أن صلاة الظهر يوم الجمعة ركعتين مثل الرجال وهي تصلي في بيتها، وهذا ضلال مبين؛ فإن صلاة الظهر أربع ركعات في بيتها، وبعض النساء تقتدي بالإمام في بيتها وتقتدي بإمام الحرم من الشاشة، والجهل كثير، ولو انتقلنا إلى الزكاة وأحكام زكاة الذهب وما يتعلق به، ولو انتقلنا إلى بدع الحداد الكثيرة جداً المنتشرة في البلاد الإسلامية لوجدنا جهلاً كثيراً يبدأ من إنكار قضية الحداد بالكلية، وحتى اختلاط هذا الحكم بكثيرٍ من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ كمسألة تحريم النظر في المرآة، ووجوب قلب السجاد، وتحريم النظر من الشباك، وتحريم النظر إلى القمر، وتحريم التحرك في سطح البيت وفي ساحته، وتحريم المشي بالحذاء، وتحريم مصافحة المرأة المتزوجة، وتحريم الهاتف، ونحو ذلك من الأشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان.

على أية حال نقول: هذه ثغرة، وهذا بعض ما ينبغي.