في هذا الحديث مشروعية الأخذ بالأسباب؛ فإنه طلب من الصحابيين أن يتلمسا الماء، وأن الأخذ بالأسباب لا يقدح في التوكل، ومن الناس من يغلو في السبب حتى يجعل السبب هو كل شيء، ويعتمد عليه ويتوكل، وهذا حرام وشرك.
ومن الناس في الجانب المقابل من يهمل الأسباب بالكلية، ويقول: إذا أراد الله أن تتيسر تيسرت، وإذا أراد الله أن تحصل حصلت، ولا يفعل شيئاً، فهذا إنسان غير عاقل، لأن العقل السليم يقتضي بذل الأسباب، وقد أمرت مريم أن تهز جذع النخلة مع أنها امرأة نفاس، في أضعف شيء، والنخلة قوية، وأمرت بهز النخلة، وكان يمكن أن ينزل عليها الرطب من غير هز، لكن الله تعالى يريد أن يعلم عباده الأخذ بما يستطيعون من الأسباب، فأنت خذ بالسبب والله تعالى يأتيك بالنتيجة.
إذاً: الاعتماد على الأسباب شرك، وإهمال الأسباب جنون، وكلاهما مصادم لمفهوم التوكل الصحيح، أما الغربيون فإنهم يجعلون الأسباب هي كل شيء، ولذلك تراهم يخططون للأمر غاية التخطيط ولا يتوكلون على الله، ولا شك أن عندهم عقولاً وذكاءً، عندما يتخذون الأسباب، لكن ليس عندهم توحيد، ولذلك تجد الواحد يصاب بالانهيار إذا لم تأت النتيجة كما يريد؛ لأنه ليس عنده توكل على الله، والإنسان مهما كانت قوته، ومهما كان تخطيطه، وذكاؤه وعقله، فإنه في بعض الحالات يصل إلى طريقٍ مسدود، وفي بعض الحالات يشعر بالضعف، وأنه ليس هناك أسباب يمكن أن تفعل، أو أن الأسباب ضعيفة في بعض الأحيان، فلا ينجيه إلا إذا كان موحداً متوكلاً على الله تعالى.
والطرف الآخر: هم بعض الصوفية ومن شابههم من الكسالى، فإن الكسالى مشابهون للصوفية في عدم الأخذ بالأسباب، فتجد الواحد منهم يقول: إذا أراد الله أن أنجح نجحت! وهو لا يريد أن يدرس، وبعض الناس يتركون الأسباب في مجال الأمور الدينية الشرعية، ويأخذون بالأسباب الدنيوية البحتة، فتراه إذا أراد تجارةً خطط ودبر وفعل ودرس وفكر وراقب وتابع وحضر وداوم، وفعل كل الأسباب! وفي الأمور الشرعية، يقول: إذا أراد الله أن يهديني اهتديت، وإذا أراد الله أن يعلمني تعلمت، وإذا أراد الله أن يفقهني تفقهت! ولا يأخذ سبباً.
ولو قلت له: أنت الذي تقول هذا الكلام: إذا أراد الله أن يهديني اهتديت، وهذه حجة كثير من الناس عند النقاش، إذا كانوا مقيمين على منكر، يقولون: إذا أراد ربنا أن يهدينا اهتدينا! نقول: إذاً: لماذا لا تترك الزواج وإذا أراد الله أن يأتيك بولد أتاك؟ لا تتزوج ولا تنكح فسوف يضحك منك، ولذلك فإنهم يأخذون بالأسباب في الأمور الدنيوية، ويتركون الأسباب في الأمور الدينية، ويحتجون بأن الله إذا أراد شيئاً كان، وهذا هو فعل كثيرٍ من عصاة عصرنا.