ورجلٌ آخر من أهل الحديث وهو القعنبي من الرواة المشهورين قال أحد أولاده: كان أبي يشرب النبيذ ويصاحب الأحداث -أي: جماعةٌ من الفسقة- فدعاهم يوماً وقد قعد على الباب ينتظرهم -ينتظر هذه الشلة من أهل السوء- فمر شعبة بن الحجاج -المحدث المشهور الثقة المتقن الضاد- على حماره والناس خلفه يهرعون فاستغرب من المنظر فقال: من هذا؟ قيل: شعبة، قال: وماذا شعبة؟! قالوا: محدث، فقام إليه هذا القعنبي وعليه إزارٌ أحمر -معروف أن هذا اللبس ليس من لبس المؤمنين، فلقد نهينا عن لبس الأحمر الخالص للرجال- فقام إليه وعليه إزارٌ أحمر، فقال له: حدثني، فقال له: ما أنتَ من أصحاب الحديث فأحدثك! -لا سيماك سيما أصحاب الحديث ولا الهيئة ولا المنظر- ما أنت من أصحاب الحديث فأحدثك! فأشهر سكينه وقال: تحدثني أو أجرحك، فقال له: حدثنا منصور عن ربعي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت).
فرمى سكينته ورجع إلى منزله، فقام إلى جميع ما كان عنده من الشراب فأراقه وقال لأمه: الساعة يأتون أصحابي، فأدخليهم وقدمي الطعام إليهم، فإذا أكلوا فخبريهم بما صنعت بالشراب حتى ينصرفوا، ومضى من وقته إلى المدينة فلزم مالك بن أنس فأثر عنه ثم رجع إلى البصرة -وقد مات شعبة - فما سمع منه غير هذا الحديث.