هؤلاء النمامون لم تسلم منهم العلاقات الزوجية، ولا علاقة الموظفين مع مدرائهم، ولا الموظفون مع بعضهم البعض، بل حتى مع طلبة العلم، فقد صار بعضهم يمشي إلى فلانٍ ويقول له: إن فلاناً قد ذكرك في مجلسه بشر، وقد انتقدك أو عابك أو نحو ذلك، فيكون هذا سبباً حتى في الإفساد بين طلبة العلم، وكم من الإحن قد حصلت في الصدور، وكم من الأحقاد قد استقرت في القلوب بسبب أفعال هؤلاء.
ومن النميمة: إيغار صدور الآباء والأساتذة بما ينقل بعض الأبناء والتلاميذ عن بعض، فيصبح الولد البار والتلميذ الصالح بغيضين ممقوتين، وهما يستحقان من الوالد ومن المعلم الشكر والتقدير.
أما النميمة في البيوت وبين العائلة فحدث عن الابتلاء بها، ولئن كانت الضرة تنم على ضرتها لبعض الغيرة بينهما؛ فإنك تجد في كثير من الأسر النميمة تنقل من أم الزوج إلى ابنها عن زوجته، ومن الزوجة إلى زوجها عن أمه، وكذلك تنقل من الأقارب والأباعد، وكثيراً ما كانت النميمة سبباً للطلاق، وتهديم الأسر وتخريبها؛ فلا تستغرب -يا عبد الله- إذا علمت بعد ذلك أن النميمة سببٌ مباشر من أسباب عذاب القبر، وتنقل زوجة الأب لزوجها عن أبناء ضرتها، أو عن أبناء زوجته المطلقة أو الثالثة ما تنقل، وقد يكون جاهلاً ينخدع، أو مستمالاً إليها فيطيعها.
وكذلك ما يذهب به بعض الناس إلى الكهان، ويسمعون منهم كلاماً في بعض الناس فيصدقونه، فيكون الكاهن قد أضاف إلى جرمه بالشرك نميمة أيضاً.
وكذلك فإن بعض المدراء في الشركات، أو المسئولين في الدوائر لا يكونون حكماء، فيفتحون المجال للموظفين لنقل الأخبار في بعضهم البعض، وربما يريد أن يفرق ليسود، وأن تجتمع عنده الأخبار، زعماً بأنه من طبيعة وظيفته أن يعرف ما يدور، ولكن الشريعة فوق هذه الأمور الإدارية التي يظنها بعض المدراء مصلحة، وإنما المفسدة فيها كل المفسدة، فبعض الموظفين قد فصل أو اضطر إلى مغادرة عمله بسبب نميمة موظفٍ آخر، وكل واحدٍ يريد أن يتزلف إلى المدير بكلامٍ ينقله عن موظفٍ آخر تكلم على هذا المدير أو ذمه أو نحو ذلك، ويظن هذا الموظف النمام أنه يتقرب إلى سيده، وأنه يزداد حظوة عنده، وأنه عينه على بقية الموظفين، وما درى أنه نمام معذبٌ في قبره، وأنه سببٌ لإيذاء الآخرين، فينبغي على الإنسان أن يكف لسانه عن عيب الناس، وينبغي على من سمع العيب ألا ينقله.