وأما الترمذي رحمه الله فإنه قد ذكر في العطاس أحاديث، ومما ذكره حديث الرجل الذي عطس في الصلاة فقال: الحمد لله حمداً كثيراً إلى آخره، قال الترمذي رحمه الله: حديث رفاعة حديث حسن، وكأن هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنه في التطوع؛ لأن غير واحد من التابعين قالوا: إذا عطس الرجل في الصلاة المكتوبة إنما يحمد الله في نفسه ولم يوسعوا في أكثر من ذلك، هذا رأي الترمذي رحمه الله الذي نقله عن بعض التابعين أنه قال هذا الكلام، والرواية وهي رواية معاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه التي رواها الترمذي رحمه الله، قال:(صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فقال: من المتكلم في الصلاة؟ فلم يكلمه أحد ثم قالها ثانية: من المتكلم في الصلاة؟ فقال رفاعة بن رافع بن عفراء: أنا يا رسول الله، قال: كيف قلت؟ قال، قلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها) وهذا الحديث رواه النسائي في كتاب الافتتاح وعنون عليه: قول المأموم إذا عطس خلف الإمام.
كذلك ذكر الترمذي رحمه الله فوائد في سننه في هذا الموضوع، قال: كرهوا -أي: أهل العلم- للرجل أن يتكلم والإمام يخطب وقالوا: إن تكلم غيره فلا يُنكر عليه إلا بالإشارة في أثناء خطبة الجمعة كما كان يفعل عمر؛ كان يضع إصبعه على شفتيه يسكته لا يقول له: أنصت حتى لا يخطئ مثله، واختلفوا في رد السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب، فرخص بعض أهل العلم في رد السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب وهو قول أحمد وإسحاق، وكره بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم ذلك وهو قول الشافعي رحمه الله.
وروى أبو داود رحمه الله في كتاب الأدب من حديث هلال بن يساف، قال:(كنا مع سالم بن عبيد فعطس رجل من القوم، فقال: السلام عليكم، فقال سالم: وعليك وعلى أمك، ثم قال: لعلك وجدت مما قُلت لك أي: وجدت في نفسك مما قلت لك، قال: لوددت أنك لم تذكر أمي بخير ولا شر -وددت لو أنك ما أتيت بسيرة أمي لا بالخير ولا بالشر- قال: إنما قلت لك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنا بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجلٌ من القوم فقال: السلام عليكم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك وعلى أمك ثم قال: إذا عطس أحدكم فليحمد الله قال: فذكر بعض المحامد وليقل له من عنده: يرحمك الله وليرد -أي: عليهم- يغفر الله لنا ولكم).
وكذلك فإن الترمذي رحمه الله روى في كتاب الأدب من سننه عن نافع:(أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله، قال ابن عمر: وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حال) قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زياد بن الربيع.