[أهمية لجوء الداعية إلى الله عند اشتداد الكرب]
يجب أن يكون لجوء المؤمن إلى الله عز وجل دائماً في ساعات الشدة والمحنة والرخاء وفي جميع الأوقات يجب أن يكون اللجوء إلى الله عز وجل، وهنا يتجه هذا الغلام إلى السند الحقيقي، إلى ركنٍ شديد، لا يُوجد أشد منه، إلى المعتمد الأول والأخير وهو الله عز وجل، فيقول متوجهاً لربه عز وجل: (اللهم اكفنيهم بما شئت) يرفع ويدعو (اللهم اكفنيهم بما شئت) اللهم أنت تكفي من الشر فاكفني هؤلاء، كلمات معدودات، بالطريقة التي تريد وبما تشاء يا رب! اكفني هؤلاء الناس (فرجف بهم الجبل) هذه نتيجة الدعاء وهذه نتيجة اللجوء وصدق اللجوء إلى الله عز وجل (فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك) سبحان الله العظيم! قدرة الله عز وجل ليس لها حد، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو على كل شيء قدير، أناس على الجبل والغلام معهم فيرجف الجبل ويسقطوا كلهم إلا هو يسلم من السقوط، ويأتي يمشي فيدخل مرة أخرى، هذه النتيجة لصدق التوجه إلى الله عز وجل.
أيها الإخوة! وهنا درسٌ عظيم، أن الناس إذا عجزوا عن الوسائل فلا ييأسوا من رحمة الله، لأن الإنسان قد تنحل المشكلة الكبيرة عنده بدعاء.
لذلك تسمع كثيراً من القصص واحد يقول انتهينا، كل الأطباء عجزوا وما بقي أمل مطلقاً، الرجل على فراش الموت وقال الأطباء: ودعوا صاحبكم انتهت المسألة، ثم بعد ذلك بقدرة الله عز وجل يشفى هذا الرجل ويقوم من فراشه وسط ذهول الأطباء، كيف حدث هذا؟! إنها قدرة الله عز وجل، ورحمة الله تعالى المحيطة بكل شيء، والله لا يعجزه شيء، لا يقف أمامه أحد، هذه الجزئية من جزئيات العقيدة كم هي ضعيفة اليوم في نفوس كثيرٍ من المسلمين، وإلا لو أن الناس آمنوا بأن الله على كل شيءٍ قدير لما أذلهم ولما استضعفهم أحد.
وجاء يمشي إلى الملك فلماذا لم يهرب؟ ويقول: هذه فرصة ما دام أني نجوت أنفذ بجلدي، لماذا جاء يمشي إلى الملك؟ لأن الغلام لديه مهمة، عنده رسالة لم تنته بعد، لا بد من عرض الإيمان على الناس ولا بد من إيضاح الحق، فقد يتراجع هذا الطاغية عندما يرى قدرة الله ويسمع بها، فقد يؤمن، (وجاء يمشي إلى الملك).
لو أن واحداً فينا مكان هذا كان قال: فرصة أني الآن أنجو (وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله) علماً أن هذا الطاغية لا يريد أن ينسب الهزيمة إلى نفسه؛ لأنه واضح أنه صار فيه هزيمة، فما قال: ما فعل أصحابي أو ما فعل جنودي، ولكن قال: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فقط، هنا ما أبرز الغلام عضلات وقال: أنا فعلت طريقة وعملت حيلة فالمهم أني تخلصت منهم وجئت وأنا الآن أتحداك، لا، لم يكن هذا، إن تواضع المؤمن لا يزال ملازماً له حتى في لحظات الانتصار، وهو متواضع لا يفتخر بقوته وليس له من الأمر شيء، قال: (كفانيهم الله) الله عز وجل هو الذي يكفي، الله عز وجل هو الذي كفاني هؤلاء (فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور -سفينة- وتوسطوا به البحر -اذهبوا إلى الوسط حتى لا يصير أي احتمال للنجاة- فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه حتى يغرق ويموت) فأخذوه ونفذوا الأمر فذهبوا به في وسط البحر، كل ما حوله ماء، وعرضوا عليه أن يرجع عن دينه فأبى فأرادوا أن يقذفوه مرة أخرى.
ما حيلة الغلام؟ لا شيء، ماذا يستطيع أن يفعل؟ لا شيء، هل هناك وسيلة للنجاة؟ لا، فالبحر من جميع الجهات (فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت) نفس الدعاء: (اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك)، وهنا قدرة الله عز وجل تتراءى مرة أخرى، وتظهر عياناً، تنقلب السفينة ويغرقوا كلهم ويأتي هذا الغلام يمشي مرة أخرى إلى الملك، وهذه هي معجزة طبعاً الذي هو المشي على الماء، لأنه لا بد أن يأتي من وسط البحر على الماء وهذا الغلام صارت له أكثر من خارقة من الخوارق، وهذه من أعظمها، وجاء يمشي إلى الملك، مرة أخرى ما انتهت الرسالة، لم تنته المهمة، لا بد من إكمال الطريق، وهنا أيها الإخوة! يلفت نظرنا شيء، كيف أن الغلام الآن يريد أن ينجو ويقول: اللهم اكفنيهم بما شئت، فلما ينجو يرجع مرة أخرى ويأتي إلى مصدر الشر الذي يريد أن يهلكه، أي: كيف يأتي موقف يدعو فيه بالخلاص وبعد ذلك يأتي مرة أخرى إلى مصدر الخطر؟ هنا نتعلم درساً مهماً في متى يُلقي الإنسان بنفسه في المهالك، ومتى يحاول أن يتخلص من المهالك.
فعندما كان فوق الجبل وفي وسط البحر، إذا قتل الآن هل حصلت الفائدة الكبرى؟ لا.
فإذاً هو يريد أن ينجو لأن الرسالة ما انتهت بعد، فلذلك دعا الله بالخلاص، ولكن عاد للمهلكة مرة أخرى وجاء يمشي إلى الملك وهذه فيها مهلكة؛ لأن الغلام يعلم أنه سيعيد الكرة وقد ينجح الملك ويقتله، لكنه جاء وأوصل نفسه إلى مصدر الخطر مرة أخرى، لأي شيء؟ هنا في هذه الحالة المسألة تستاهل أنه يرجع إلى الملك؛ لأن القضية ما انتهت، ما زال يعرض الدعوة، فهناك خطٌ بين الشجاعة والتهور، فهناك حالة من الحالات يكون إلقاؤك بنفسك في هذا المكان تهوراً ولا تستفيد منه أي شيء.
وهناك حالة أخرى يكون إتيانك إلى الخطر شجاعة، فالثبات على الحق في أوقات المحنة شجاعة، والثبات أمام الطغيان شجاعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أعظم الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمره ونهاه فقتله) فهذان الرجلان أفضل الشهداء عند الله عز وجل.