حق الطفل جنيناً
لماذا جاءت الشريعة بالسماح بالإفطار للحبلى والمرضع؟ لماذا أجازت الإفطار وجعلت الحبلى والمرضع من أهل الأعذار؟ إن ذلك من أجل مصلحة الولد الجنين الذي في البطن، والولد الذي يرتضع، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجني أم على ولد) فلا يجوز أن تتعاطى شيئاً يضعفه أو يشوهه، وينبغي أن تتقوى الحامل لتغذيته في بطنها، وهذا من مسئوليتها.
وتأمل حفظ الشريعة للجنين! تأمل حقوق الجنين في الشريعة بتأجيل إقامة الحد على المرأة الحامل من الزنى حتى تضع حملها.
ولما جاءت المرأة الغامدية فاعترفت عند النبي صلى الله عليه وسلم: (يا نبي الله! أصبت حداً فأقمه عليَّ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليها، فقال: أحسن إليها، فإذا وضعت فائتني بها، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: ها قد ولدته، قال: اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز) الحديث.
وفي رواية: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قد وضعت الغامدية، فقال: إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه، فقام رجلٌ من الأنصار وقال: إليَّ رضاعه يا نبي الله! قال: فرجمها) قال العلماء: ولو كان حدها الجلد وهي حامل، لم تجلد بالإجماع حتى تضع.
ومن تعدى على الجنين في بطن أمه فأسقطه، فالحديث في ديته واضح، كما رواه البخاري في المرأتين من هذيل التين اقتتلتا، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فأصابت بطنها وهي حامل، فقتلت ولدها الذي في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فقضى أن دية ما في بطنها غرة عبد أو أمة، فقال ولي المرأة التي غرمت: كيف أغرم يا رسول الله! من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يُطل! -أي: يهدر ولا يضمن- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا من إخوان الكهان) الكهان الذين يسجعون بمثل هذا السجع.
فإذاً: الجنين إذا اعتدي عليه فسقط فله دية (قيمة عبد) تدفع، قال ابن قدامة رحمه الله: الحامل إذا شربت دواءً فألقت الجنين، فعليها الغرة والكفارة، تدفع الغرة أو قيمة العبد إلى ورثة الجنين، والكفارة عليها أيضاً، قال العلماء: إذا ماتت الحامل وفي بطنها جنين -يا عباد الله! انظروا إلى حقوق الجنين في الشريعة، ولو ماتت امرأة حامل والولد حيٌ يتحرك- قد تجاوز ستة أشهر، يشق بطنها طولاً ويخرج الولد، لقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:٣٢] ومن تركه عمداً حتى يموت فهو قاتل نفس.
إذاً: يستعمل الأطباء من الوسائل الأسهل لاستخراج ما في بطنها، فإذا كانت امرأة كتابية كافرة، وفيها حمل من زوج مسلم فماتت، فأين تدفن وفي بطنها جنين مسلم؟ تدفن في طرف مقبرة المسلمين، فلا تدفن مع المسلمين؛ لئلا يتأذوا بعذابها، ولا تدفن مع الكفار لئلا يتأذى ولدها المسلم بعذابهم، هذا كلام الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
ومن حفظ الشريعة لحقوق الجنين: أنه إذا مات أبوه مثلاً وهو في بطن أمه لا يدرى ذكر أو أنثى، توأم أو واحد، فإن الورثة يقتسمون بحيث يجعل له النصيب الأوفر ويأخذون هم الأقل احتياطاً، يبنون على أنه أنثى -مثلاً- ويقتسمون، حتى إذا كان ذكراً يكون ماله محفوظاً، الاحتياط من أجل الجنين.
وأما السِقْطُ فإن له أحكاماً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والسقط يصلَّى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة) رواه أبو داود، وهو حديث صحيح الإسناد.
قال العلماء: إذا نفخ فيه الروح يُغسل ويصلَّى عليه احتراماً للسقط، جاءت به الشريعة، فإذا ولد المولود فإنه يجرى له إجراءات كثيرة في الشريعة.
تأملوا تكريم الشريعة للطفل الذي يولد، جاءت بأشياء تدل على أنه قد حدث أمر مهم، وليس مجرد أرحام تدفع، ولا مجرد ولد خرج، وإنما يحتفى به غاية الاحتفاء، ويكرم غاية التكريم، الشريعة تكرم الطفل من مبدأ أمره، فيحنك؛ بأن تلين التمرة حتى تصير مائعة بحيث تبتلع، ويفتح فم المولود وتوضع فيه، ويدعى له بالبركة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم