[حفظ الدين بالجهاد في سبيل الله]
شرعت هذه الشريعة الجهاد في سبيل الله لحفظ الدين؛ لأنَّ الدعوة تقابل في كثير من الأحيان بالرفض والجحود والإنكار، فيقبلها من يقبلها، وتحصل المنفعة من الدعوة، فإذا رفضها من رفضها فما هو الحل إذاً؟ ما هو الحل في حجر العثرة في الحواجز القوية في السدود المنيعة التي توضع في سبيل انتشار الدين؟ لا حل لذلك إطلاقاً إلا بفل الحديد بالحديد، ومواجهة القوة بالقوة؛ إرغاماً لأنوف المعاندين، وكسراً للحواجز، وأن يخلَّى بين الناس وبين دين الله، وكذلك انقاذاً للمستضعفين من المؤمنين الذين سيذوبون بغير الجهاد، وقد تسلط عليهم الأعداء.
والجهاد لأمرين واضحين الأول: جهاد لنشر الدين، ولتحطيم كل الحواجز التي تعيق نشره بالقوة.
الثاني: جهاد للدفاع عن الدين، وعن المسلمين والمستضعفين، وعن بلاد المسلمين؛ حتى لا يتسلط عليها الكفار، والذين يقصرون الجهاد على الجهاد الدفاعي أغبياء وجهلة، فإن الله شرع لرسوله قتال الكفار، فقال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة:١٢٣] {قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة:٣٦] فإذا قدر المسلمون فلا بد من جهاد الهجوم، وإذا لم يقدروا فالشكوى إلى الله ليقوموا بجهاد الدفع إذاً، وكثيراً ما لا يستطيعون في هذا الزمان لا جهاد الهجوم، ولا جهاد الدفاع، ولكن لا بد حينئذٍ من الاستعداد للجهاد، وإعداد النفس لذلك؛ بحملها على الدين، وتربيتها عليه؛ استعداداً للقيام بالواجب.
إن الجهاد ضروري لإنقاذ الأماكن التي يعبد الله فيها، قال الله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [الحج:٤٠] الدفع: دفعٌ بالقوة، قوة المجاهدين الذين يدفعون الأعداء، فيدفع الله بعض الناس الكفرة ببعض الناس المؤمنين: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:٤٠] لولا ما شرعه الله لأنبيائه وللمؤمنين من قتال الأعداء؛ لاستولى أهل الشرك، وعطلوا ما بنى المؤمنون من بيوت الله في الأرض، ولذلك الكفرة إذا هاجموا بلاد المسلمين أول ما يتسلطون عليه المساجد، فيحولوها إلى حانات للخمور، أو صالات لعرض سينمائية، أو إسطبلات للخيول، أو كنائس للكفار، أو يهدموها ويحرقوها ويزيلوها من الوجود، فضاعت كثيرٌ من أوقاف المسلمين، وضاعت كثيرٌ من الأماكن التي يُعبد الله فيها في الأرض؛ بسبب التخاذل عن إقامة هذا الفرض العظيم.
ثم إن في الجهاد تمكيناً لإقامة الشعائر والحكم بما أنزل الله في الأرض، والمعركة بين أهل الإسلام وأهل الكفر قائمة إلى قيام الساعة (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين يقاتلون من خالفهم) لم يترك أعداء الإسلام للمسلمين شأناً يقومون به في عبادة الله، فلا بدَّ أن يقاتلوهم، وهذه قضية أذن الله بها وشاءها وقضاها، وأخبرنا عنها، فقال: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:٢١٧].
ولم يترك الله -عز وجل- أهل الحق والإيمان عُزلاً، وإنما شرع لهم الأخذ بالأسباب الدينية الشرعية والمادية الإيمانية القلبية، والمادية التي يستطيعون بها إرغام أنوف العدو، وقد أمر الله تعالى بإعداد العدة، فقال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال:٦٠] وهذا الإعداد يتضمن أموراً كثيرةً منها: إعداد النفس الذي يقصر فيه الكثير منّا، قال عليه الصلاة والسلام: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو) هذا هو الإعداد النفسي، فمن الذي حدث نفسه بالغزو؟ بل البعض يقول: أنا غير قادر على الغزو، وقد يكون محقاً حقيقة في ذلك، لكن هل حدث نفسه به؟ وهل انطوت نفسه على أنه متى ما قامت القوة والقدرة للمسلمين أنه سيجاهد في سبيل الله () ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق).
أيها الإخوة: لابد من إعداد النفس إعداداً إيمانياً وعلمياً، ولقد مكث المسلمون في مكة ثلاثة عشر عاماً لا تنقصهم جرأة، ولا شجاعة، ولكن لأن الله لم يأذن بالجهاد لأنه لم يأت وقته بعد، كانوا يعدون أنفسهم ليوم بدر وأحد والخندق والحديبية وحنين والفتح الأعظم، ولذلك جاءت النتائج باهرة؛ لما أخذوا بالقوة الكافية، واختاروا التوقيت السليم.
فالجهاد في سبيل الله يمنع من تسلط الكفار على المسلمين، ويحرر الأماكن لعبادة الله فيها، ويخرج الناس من عبادة الشيطان إلى عبادة الرحمن، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام يخرجهم حتى لا يكونوا عُبَّاداً للعباد، وإنما ليصبحوا عباداً لله تعالى.
هذا شيء مما جاءت به الشريعة لحفظ الدين ينبغي على المسلمين فهمه والعمل به.
اللهم إنَّا نسألك أن تجعلنا من القائمين بأمرك، الناصرين لدينك، المحافظين على حدودك.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.