قد شاع في وقت من الأوقات أن النظر المباح، والحديث الطليق، والاختلاط الميسور، والدعابة بين الجنسين، وإقامة العلاقات، والتعارف أمور تزيل الكبت، وتجنب العقد النفسية، وتخفف من الضغط الجنسي ونحو ذلك، ولكن الناظر إلى مجتمعات الانحلال وما عند الغربيين المحدثين وجد أنهم غرقوا في هذه الشهوات حتى الثمالة رشفوا من كأسها، هؤلاء الذين ليس عندهم حجاب ولا غض بصر ما عندهم إلا الانحلال ومطلق الحرية في إقامة علاقات هل حصل عندهم تهذيب الدوافع الجنسية؟ ما حصل عندهم إلا السعار المجنون الذي لا يرتوي ولا يهدأ وإنما يعود إلى الظمأ والاندفاع، وعندهم الأمراض النفسية والبدنية من البرود وغيرها، وأنواع العقد والشذوذ الجنسي، والتلهف على الجنس الآخر، وشيوع الاغتصاب بالرغم من كافة أنواع الحريات المطلقة في تلك المجتمعات؛ مما يدل دلالة على أن الله حكيم خبير وأنه سبحانه وتعالى لما شرع غض البصر، وأمر بالحجاب، ونهى عن الخلوة وسائر الإجراءات والاحترازات، إنما هو لمصلحة الناس أجمعين.
إن الإسلام يهمه أن يمنع المنكر من جميع جهاته، فليست القضية في غض البصر فقط وإنما أيضاً في تغطية العورة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:(المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان) يعني: زينها في أعين الناظرين، ولذلك كانت عورة كلها من أعلى شيء في رأسها إلى أخمص قدميها.
المرأة عورة بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا احتجبت المرأة وراء الثياب أو الجدران فإلى أي شيء ينظر الناس، ولو كان عند بعضهم رغبة في النظر.
إذاً: فهذه إجراءات متكاملة واحترازات عظيمة من الشارع سبحانه وتعالى، وحتى الرجال لهم عورة يجب عليهم تغطيتها، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم:(لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة) مما يدل على أن لكل من الجنسين أمام بني جنسه عورة لا يجوز النظر إليها.
وكذلك أمر بالزواج ورغب في الصيام لمن لم يستطعه، وحتى المتزوج إن له إجراءً إذا وقع على شيء مما يثير الشهوة في نفسه ولذلك (كان صلى الله عليه وسلم جالساً في أصحابه فدخل ثم خرج وقد اغتسل، فقلنا: يا رسول الله قد كان شيء؟ قال: أجل مرت بي فلانة فوقع في قلبي شهوة النساء فأتيت بعض أزواجي فكذلك تفعلون فإن من أماكن أعمالكم إتيان الحلال) وللحديث شاهد من حديث أبي الزهير عن جابر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى زينب وهي تمعس منيئة -يعني: تدبغ أديماً أو جلداً فقضى حاجته- وقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه).
ونظره صلى الله عليه وسلم لم يكن عمداً إلى حرام أبداً وإنما حصل فجأة، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أنزه من أن تثور في نفسه شهوة لأمر محرم وإنما فعل ذلك لكمال إعفاف نفسه وتعليم الأمة ماذا يفعل أحدهم إذا وقع بصره فجأة على امرأة فأعجبته أو رأى منظراً فجأة فثارت في نفسه الشهوة، فَعَلَّم الأمة.