[سوء الوسط الموجود فيه الإنسان]
من أسباب عدم التنفيذ وقلة التطبيق: الوسط الموجود فيه الإنسان، قد يكون في وسط لا يوجد فيه قدوات، البيئة التي يعيش فيها التطبيق فيها قليل، الموجودون يغلب عليهم الجدل لا العمل، الوسط الذي يحيط بك في غاية الأهمية، غيِّر وسطك إذا كان فاسداً أو ميتاً غيَّره تنطلق، انتقِ الحي، القالب غالب، والصاحب ساحب، الصحبة والقدوة مهمة جداً خصوصاً في هذا الزمان الذي عمَّ فيه الفساد العظيم، لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، غلبت المعصية على الناس والجيران والأقرباء، أطبقت علينا الوسائل المفسدة بالموجات من كل مكان، في الأجواء والفضاء والأرض، غزتنا مسموعة ومرئية ومقروءة.
وعاش كثير منا في بلاد الغرب، وعاش بعضنا بين أناس مستغربين من أبناء المسلمين، أجسادهم في الشرق وقلوبهم في الغرب، لقد أصبحت المحرمات جزءاً من حياة بعض الناس العادية اليومية، كل يوم مليء بالمحرمات، تأثرنا ببعض المحرمات التي تراكمت علينا، ومع تقدم السن بقيت هذه المحرمات التي نشأنا عليها.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عود أبوه
هذا تعليل وتفسير وليس بتبرير، أي: لا نقول: والله يا أخي! مادام أنك نشأت على معصية فأنت معذور، كلا، أنت مسئولٌ عن التغيير، تأثير البيئة على الإنسان لا يمكن أن ينكر، قال تعالى: {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} [النمل:٤٣] صدها عن الله تعالى أنها كانت في قوم كافرين، ولذلك كانت مشركة وكافرة، فتأثرت رغم رجاحة عقلها وذكائها، فكفرت، ثم لما جاءت إلى سليمان عليه السلام أسلمت.
ولذلك يا إخواني! ننادي دائماً بأهمية الوسط الطيب، والصحبة الصالحة، والرفقة الحسنة، قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:٢٨] اصبر أي: احبس نفسك مع الذين يدعون ربهم، هؤلاء قوم اتصفوا بالإخلاص، وعملهم مستمر بالغداة والعشي، ليس فقط في المسجد، يدعون ربهم بالغداة والعشي، وعندهم إخلاص يريدون وجهه {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:٢٨] لا ملاعب ولا ملاهي ولا مراكب ولا سفريات ولا سياحات ولا مسلسلات: {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:٢٨] ثم حذر الله من قرين السوء، فقال: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:٢٨].
كان الصحابة وسطاً جميلاً جليلاً عظيماً يعيش فيه الناس يتربون ويتأثرون، أبو موسى يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين -قومٌ من أهل الإيمان قدموا من اليمن - بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار) رواه البخاري.
والرفقة: الجماعة المترافقون.
حين يدخلون بالليل: قال ابن حجر في فتح الباري: المراد يدخلون منازلهم إذا خرجوا إلى المسجد أو إلى شغل ثم رجعوا.
بالقرآن: أي برفع أصواتهم بالقرآن، وفيه أن رفع الصوت بالقرآن مستحسن، لكن محله إذا لم يؤذ أحداً وأمن من الرياء.
أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يقول كعب: أنه وجد صفتهم موجودة ومكتوبة في الكتب المتقدمة، الحمادون يكبرون الله عز وجل على كل نجد- أي: على كل مرتفع- ويحمدونه في كل منزلة، يتأزرون على أنصافهم، ويتوضئون على أطرافهم، مناديهم ينادي في جو السماء، صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء، لهم بالليل دوي كدوي النحل.
رواه الدارمي كان التابعي ينزل البلد بعد السفر، يتوجه إلى المسجد، ويقول: اللهم إني أسألك جليساً صالحا، اللهم هيئ لي جليساً صالحا.
لذلك كل واحد في بيئته فساد، وعنده رفقه سوء لابد أن يتركها ويغادرها، مثلما نصح العالم الصالح قاتل المائة أن يترك بلده التي عمل فيها الجرائم؛ لأن فيها أناساً من أهل السوء يعينونه على السوء، ويذهب إلى قرية كذا وكذا، فإن فيها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم.
إذاً غير بيئتك لتنطلق في عمل الصالحات، تاريخ جديد وحياة جديدة ورؤية جديدة، وأناس يذكرون بالصالحات، بدلاً من أناس رؤيتهم تذكر بالمعاصي: (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافح الكير) وبعض الناس يقول: تعودت عليه، وهو زميلي من الابتدائية، ودرسنا مع بعض، كنا جيران عشرين سنة، وما معنى هذا إذا كان رجلاً سيئاً؟ مهما كانت العشرة والصحبة ينبغي أن تتركه لله بعد أن تنصحه، وإذا لم تجد النصيحة فاترك هذا القرين، واذهب إلى أهل الصلاح وإلى أهل الخير، هاجر إليهم في سبيل الله.
بعض الناس يقول: أهلي وأهل زوجتي وبيئة العمل، هناك أوساط ممكن نخرج منها، وهناك أوساط لا يمكن أن نخرج منها، أهلك لو كان فيهم فساد أو في بيئتهم شر، أنت لا تستطيع أن تقطع العلاقة بالكلية، أهل زوجتك كذلك، العمل الذي أنت تعمل فيه إذا لم تستطع أن تغيره وما وجدت عملاً آخر، هنا لابد أن نقاوم، لابد أن يكون عندنا مقاومة ومناصحة وتسديد ومقاربة، نناصح ونقاوم هذا مهم جداً، بعض الناس ينصحون ولا يقاومون، وبعض الناس يسكتون ولا ينصحون، لابد أن ننصح ونقاوم ونسدد ونقارب، نحاول ألا يصل إلينا ولا إلى أولادنا شر، ونقلل من الاحتكاك ما أمكن في الوسط الذي لا يمكن أن ننفك عنه.