وأما رواية الإمام أحمد رحمه الله فإنه رواها عن عمرو بن سلمة قال:(كنا على حاضرٍ -وهم القوم الذين ينزلون بمكان لا يرحلون عنه- فكان الركبان يمرون بنا راجعين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي أن الذين يذهبون إلى المدينة ويرجعون طريقهم على هؤلاء- فأدنو منهم فأسمع حتى حفظت قرآناً، وكان الناس ينتظرون بإسلامهم فتح مكة، فلما فتحت جعل الرجل يأتيه فيقول: يا رسول الله أنا وافد بني فلان وجئتك بإسلامهم، فانطلق أبي بإسلام قومه فرجع إليهم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قدموا أكثركم قرآنا، فنظروا وإنا لعلى حواءٍ عظيم، فما وجدوا فيهم أحداً أكثر قرآناً مني، فقدموني وأنا غلامٌ فصليت بهم وعليّ بردة، وكنت إذا ركعت أو سجدت قلصت فتبدو عورتي، فلما صلينا تقول عجوزٌ لنا دهرية: غطوا عنا است قارئكم، قال: فقطعوا لي قميصاً فذكر أنه فرح به فرحاً شديداً).
وأما رواية أبي داود رحمه الله فإنه رواها عن عمرو بن سلمة قال:(كنا بحاضرٍ يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا مروا بنا، فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، وكنت غلاماً حافظاً، فحفظت من ذلك قرآناً كثيراً، فانطلق أبي وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفرٍ من قومه فعلمهم -أي النبي عليه الصلاة والسلام- الصلاة فقال: يؤمكم أقرؤكم، وكنت أقرؤهم لما كنت أحفظ، فقدموني، فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشفت عني، فقالت امرأة من الناس: واروا عنا عورة قارئكم، فاشتروا لي قميصاً عمانياً، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين).
وفي رواية أخرى لـ أبي داود عن عمرو بن سلمة:(إنهم وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما أرادوا أن ينصرفوا قالوا: يا رسول الله! من يؤمنا؟ قال: أكثركم جمعاً للقرآن أو أخذاً للقرآن، فلم يكن أحدٌ من القوم جمع ما جمعته، قال: فقدموني وأنا غلام وعلي شملة لي، فما شهدت مجمعاً من جرمٍ -يعني قومه بني جرم- إلا كنت إمامهم، وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا).