[اليهود يعملون بجد لتحقيق أهدافهم وأساطيرهم]
إن عدداً من المسلمين، بل الأكثر لا يدرون شيئاً عما يحيكه اليهود والنصارى من المؤامرات, وعدد آخر من المسلمين اتجهوا إلى الاستسلام للواقع بهذا الذل الذي صاروا فيه, وبعضهم صار يعتمد على أخبار آخر الزمان في الهروب من الواقع البائس الذي يعيش فيه, ويقرأ بعض المسلمين تآليف فيها مجازفات علمية، وتطبيقات سخيفة على الواقع, ثم يتم الهروب من الواقع البائس عبر هذه الأشياء المقروءة، كالكتاب المسمى بـ عمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدي عليه السلام , فيكون قصارى الأمر الاكتفاء بمعرفة قرب نهاية العالم وظهور المهدي.
ويا ترى ماذا فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال لهم: (بعثت أنا والساعة كهاتين) وقال: (إن كادت لتسبقني) ماذا فعلوا عندما عرفوا قرب قيام الساعة: هل توقفوا عن العمل؟ هل توقفوا عن الدعوة؟ هل توقفوا عن الجهاد؟ هل استسلموا؟ كلا.
وإنما قاموا يعملون بجد ونشاط لنشر الإسلام في الأرض وهذا هو واجبنا.
أما الاستسلام والقول بأننا ننتظر المهدي عليه السلام ونقعد, فليس هذا لعمر الله من دين الإسلام في شيء, والأئمة العظام كالإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة أهل السنة رووا أحاديث المهدي, ولم ينقل عنهم حتى تحري تطبيقها والتنقيب عن زمانها, وبعض المسلمين اليوم مشغولون غاية الشغل بقضية وقت ظهوره، أو وقت نهاية العالم وخرابه, فنقول: بأي شيء تعبدنا الله؟ أليس بعبادته والعمل لدينه؟ ألا نستحي ونخجل عندما نرى الكفار الذين لا مستقبل لهم في منظورنا الشرعي يعملون ويجتهدون في تحقيق نبوءات محرفة, ونحن عندنا الأصول ونسكت ونقعد!! أيها الإخوة: لقد سبق الكلام عن شيء من أساطير هؤلاء والتي من أهمها قيام دولتهم التي يعبرون عنها بحسب ما عندهم للاستعادة الأبدية لأرض كنعان من قبل شعب اليهود, وقد تحقق لهم قيام هذه الدولة بغض النظر عن صحة النبوءات والأقوال التي عندهم, لكنهم عمدوا على تحقيق هذه النبوءات في الواقع, ثم احتلال القدس وجعلها عاصمة موحدة لدولتهم؛ لأن في التلمود نصاً يقول بزعهم: أن القدس ستتوسع في آخر الزمان حتى تصل إلى دمشق , وسوف يأتي المنفيون ويقيمون خيامهم فيها, وكذلك هي عندهم المكان الذي سيفيض الخير من السماء, ومنها يوزع على بقية العالم, فقام هؤلاء اليهود بتطبيق ذلك عملياً بغض النظر عن صحة هذه النصوص كما قلنا, لكنهم عملوا هذا هو الشاهد.
وكذلك أعادوا ويعيدون بناء هيكل سليمان المزعوم الذي سيقيمونه على أنقاض المسجد الأقصى, وهذه هي المرحلة الثالثة، مرحلة بناء الهيكل الذي يقول فيه أحد طواغيتهم المعاصرين: لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل.
فإذا أقاموا الدولة ثم احتلوا القدس -وهم الآن على أعتاب إقامة الهيكل- فإنهم قد نجحوا في إقناع النصارى أن مصلحتهم أن تقام دولة يهود، وأن يتخذوا القدس عاصمة لهم, وراجت هذه القضية جداً حتى ساند النصارى اليهود في قضية احتلال القدس، وجعلها بالتدريج عاصمة ومسكناً لهم.
ومن الأمور التي اشتبكت بين اليهود والنصارى في القضية: أن الإنجيليين يقولون: بأن المعركة الأخيرة ستكون في سهل صغير في فلسطين الذي يسمى بـ سهل مجيدو وينسبون إليه حصول معركة هرمجدون المشهورة عندهم, ويروجون الآن أنها بين النصارى والمسلمين، وينشرون الأفلام السينمائية الكثيرة التي أنتجت حول هذا الموضوع, وبنى اليهود السور، وقضية الشمعدان السباعي، والتابوت الذي يقولون بأنه لا يعرف مكانه إلا نفر قليل منهم في أثيوبيا , والمذبح قد عمل, والبقرة الحمراء قد ولدت، وخيمة العهد قد نسجت, وهكذا قاموا بتنفيذ النبوءات التي لديهم, ولسنا ننكر أن بينهم تيارات متعارضة فعندهم هؤلاء الذين يسمون بالأصوليين بالإضافة إلى العلمانيين وبينهم تضاربات, يعملون على خطين ولكن في النهاية المسلمون هم الضحية وهم المستهدفون, فالأصوليون يريدون إعادتها بالقوة, وهدم الأقصى وبناء الهيكل بالقوة وطرد المسلمين بالقوة من القدس , وأما الآخرون فإنهم يرون إقامة ذلك بالسلام وكذلك يهدفون إلى احتلال منطقتنا اقتصادياً والهيمنة عليها تكنولوجياً، وفي النهاية الهدف هو السيطرة على المسلمين.
قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على بعض ما لديهم: "ومن تلاعبه بهم -أي: من تلاعب الشيطان باليهود- أنهم ينتظرون قائماً من ولد داود النبي, إذا حرك شفتيه بالدعاء ماتت جميع الأمم, وأن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به, وهم في الحقيقة إنما ينتظرون مسيح الضلالة الدجال, فهم أكثر أتباعه, والأمم الثلاث تنتظر منتظراً يخرج في آخر الزمان فإنهم وعدوا به في كل ملة" إذاً: كل من المسلمين والنصارى واليهود ينتظرون منتظراً في آخر الزمان, لكن اليهود والنصارى يعملون لنصرة هذا الذي سيخرج فيهم كما يزعمون, والمسلمون مع الأسف قاعدون لا يعمل منهم إلا النفر القليل, وبعضهم كما قلنا يخدرون أنفسهم بالقراءة في بعض نبوءات المستقبل, وتطبيقات سخيفة للنصوص على الواقع, فأين ما أمر الله به من العمل للإسلام والقيام بحمله، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:٤٤].
إن هناك خشية من شن المتطرفين من اليهود -وكلهم متطرفون ولكن في اتجاهات شتى- بهجمات على المساجد الإسلامية في نهاية الألفية, والقيام بتدمير المسجد الأقصى؛ لإقامة الهيكل، والعلمانيون منهم يخشون من ذلك؛ لأنه يؤدي في نظرهم إلى تفجير المنطقة، وقيام حرب ليست محسوبة النتائج بالنسبة لهم, وهم يفضلون أن يهيمنوا بالسلم -بزعمهم- هيمنة اقتصادية ومالية وتقنية، ولذلك فقد حذر هؤلاء من بني قومهم من القيام بشيء من العنف، ليس لأجل سواد عيوننا, وإنما لأنهم يرون أن هذا استعجال, وما الذي سيحدث؟ الله أعلم بذلك.
هل سينتصر الأصوليون والإنجيليون من اليهود والنصارى ويحققون ما يقولون عنه بالقوة، ويهدمون الأقصى، ويقيمون الهيكل؟ الله أعلم بذلك.
وإذا حدث فهو شر في الظاهر، ولكنه قد يكون خيراً من جهة اشعال جذوة الجهاد في سبيل الله، وقيام المسلمين بالحمية حينئذٍ, أو أن الذي سيحدث هو أن يكسب العلمانيون منهم الجولة في قضية السيطرة على الموقف بالسلام والتعايش بين أهل الملل كما يقولون، وهؤلاء الذين ينادون بالإخاء العالمي, والسلام العالمي, والملة الإبراهيمية, ويريدون تحطيم عقيدة: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥] وتحطيم عقيدة: (ما من يهودي ولا نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا أدخله الله النار) وتحطيم عقيدة: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود:١٧].
فهؤلاء على أي حال يريدون تحطيم المسلمين سواء كان بالعنف أو باللين, ونحن ينبغي علينا أن نعود إلى ربنا وأن نقوم بحقه علينا, وأن نعلم ماذا يريد أولئك القوم أن يفعلوا وأن نعد أنفسنا إعداداً عقدياً وإيمانياً وعلمياً ونفسياً لأي طارئ.