للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفات القرين الصالح]

ثم نأتي إلى مشكلة أخرى، يقول: إنني شاب حديث عهد بالاستقامة أرى من حولي أناساً كثيرين على خير وصلاح، فأحتار من اتخذ منهم قريناً، فأرافق هذا تارة وهذا تارة وأشعر بالتشتت.

فما هي صفات القرين الصالح الذي لو وجدته رافقته؟ وما هو الحل لهذه المشكلة؟

الجواب

هذا الواقع صحيح، فالإنسان لابد له أن يتعلم، فمثلاً: إذا استقام شخص على الشريعة وهو في البادية استقام على الملة المحمدية واستقام على الدين لا بد له من أناس يعلمونه، لا بد من قرين يربيه، لا بد من شخص طيب يسير معه، لا بد من قدوة يتأثر به، والقدوة الحية مهمة، وإذا قال شخص: يا أخي! الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة فيكفينا هذا، فنقول: هذا قدوة ونعم بها وهي أعظم قدوة، لكن القدوة الحية لها أثر، ألم تروا إلى الحديث الصحيح: لما جاء قوم مجتابو النمار، أي: مقطعةٌ ثيابهم، ومعنى جاب في اللغة يعني: قطع، ولذلك يقول الله عز وجل: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [الفجر:٩] قطعوه من الوادي وأتوا به فبنوا به، فالرسول صلى الله عليه وسلم قدوة، كلمهم فما تحرك أحد، كلمهم وانتظر أن واحداً من الناس يقوم فما قام أحد مع أنه قدوة عليه الصلاة والسلام، فلما قام ووعظ الناس على المنبر وتكلم جاء رجل بصرة كادت كفه أن تعجز عنها بل قد عجزت ثم تتابع الناس، لماذا تتابع الناس؟ لأنهم رأوا القدوة أمامهم، شخص أتى بصرة كبيرة كادت كفه أن تعجز عنها، فتتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، صفيحة ذهب عندما تسطع عليه الشمس صلى الله عليه وسلم، فالآن انظروا القدوة مع الرسول صلى الله عليه وسلم كيف أثرت، وهناك أناس استفادوا من أبي بكر وعمر مع وجود الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك نقول: القدوة مهمة من الناحية التربوية، ولكن لما كان الناس الذين فيهم خير واستقامة كثيرين والحمد لله فكان لا بد لسالك طريق الاستقامة الذي يريد التربية وطلب العلم أن ينتقي الأفضل طبعاً بلا شك، ولذلك لا بد أن يعلم ما هي الصفات التي إذا توفرت في شخص يلازمه، فنقول: إن لذلك صفات عدة، نذكر منها سبع صفات، فنقول: الأولى: أن يكون هذا الذي تريد أن تصاحبه ذا عقيدة صحيحة، هذا أول شيء يجب أن يكون اعتقاده صحيحاً، ينبغي أن يكون اعتقاده اعتقاد أهل السنة والجماعة في جميع الأبواب في الإيمان في الأسماء والصفات في القضاء والقدر، يجب أن تكون عقيدته صحيحة فلا يكون من الخوارج ولا من المرجئة ولا من الأشاعرة ولا من الماتريدية ولا من الصوفية ولا من أصحاب الحلول، كل هذه المعتقدات الباطلة ينبغي أن يكون صاحبك هذا متبرئاً منها تمام التبرؤ، بل إنه يجب أن يكون عنده علم بعقيدة أهل السنة والجماعة وأن يلتزمها في نفسه وأن تبنى عليها تصرفاته.

فمثلاً: لا بد أن يكون عنده ولاء وبراء يوالي المسلمين المؤمنين أهل السنة والجماعة حتى ولو كانوا في آخر الدنيا، لو كان هناك شخص من أهل السنة والجماعة في الصين فإنني أشعر تجاهه بولاء له ولو كان أخي في البيت ملحداً أو كافراً أو مبتدعاً فإنني أشعر ببغض له انطلاقاً من قضية العقيدة.

ولذلك -أيها الإخوة- تجدون في الواقع بعض الناس عقيدتهم منحرفة هؤلاء لا يجوز مخالطتهم نهائياً، بعض الناس عندهم عقيدة صحيحة لكن لا يوالون ولا يعادون من أجلها.

اسمعوا مني هذه النقطة المهمة جداً: بعض الناس عقيدتهم صحيحة من ناحية العقيدة، فمجمل العقيدة عندهم صحيح، لكن لا يوالي من أجلها ولا يعادي عليها، ولذلك يمكنه أن يتعاون مع أشعري ومع مرجئ ومع صوفي ومع خرافي ومع مبتدع، يقول: نتعاون معهم في الدعوة، نقول: هذا ضلال وانحراف، ولا يجوز هذا مطلقاً، وإنما قامت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم على تجريد التوحيد وعلى العقيدة الصحيحة، ما قامت على خزعبلات ولا كفريات وشركيات وبدع وضلالات، فهذا أمر غير مقبول، ولا بد أن يكون لنا مواقف من أهل البدع، لا بد أن نفاصلهم، فأهل البدع والضلالات لا نصادقهم أو نسكت عنهم ونقول: لمصلحة الدعوة، كلا وألف كلا، إن هذا أمر خطير، بل يجب أن نعلن الدعوة الصحيحة، وأن نقول لهم: إما أن تلتزموا معنا بهذه العقيدة أو تفارقونا.

الثاني: أن يكون صاحب سنة، ما معنى صاحب سنة؟ يعني: يلتزم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكبير والصغير، ويعتمد السنة مبدأً يسير عليه وطريقاً، ولا نقصد بالسنة أمور الفرعيات فقط، يعني: يلتزم السنة في كيفية الصلاة وكيفية الوضوء.

ليس هذا فقط هذا مهم، لكن لا بد أن يكون صاحب سنة أي: منافياً للبدع ولأهل البدع محارباً لهم صاحب سنة، والسنة ضد البدعة.

ويشمل كذلك: أن يعتمد على الدليل الصحيح من أقوال أهل العلم الذين يأخذ بأقوالهم، فينظر الدليل الصحيح ما يوافق أقوال العلماء من الدليل الصحيح فيتبعه ويأخذ به، فهو إذاً ليس مقلداً تقليداً أعمى، بل هو صاحب سنة يرعى الدليل وينظر دليل العالم هل هو موجود وصحيح فيأخذ بقول العالم، لا يفتح الكتاب والسنة ثم يقول: أنا أجيب من عندي، فهذا ضلال، وإذا لم يكن عنده شروط هذا الاستنباط أو معرفة الأحكام لا يفعل هذا، لكن عندما يأتي في مسألة من المسائل الفقهية يريد أن يعرف الحكم، فإنه يعرف الدليل، فهو إذاً ليس متعصباً لمذهب من المذاهب، ولا لطريقة من الطرق، ولا لشيخ من الشيوخ، وإنما متجرد لله عز وجل، يعبد الله على بصيرة، ما معنى بصيرة؟ يعني الدليل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:١٠٨].

ثالثاً: أن يكون صاحب علم شرعي، يهتم بالعلم الشرعي، أي: يهتم بالتعلم، وحلقات العلماء، والقراءة في كتب العلم، ويهتم بأقوال أهل العلم ولا يستنبط أقوالاً من عند نفسه، بل يأخذ من أقوال العلماء وأقوال السلف يحرص عليها ويحرص على حلق العلم وعلى طلب العلم، ولا يكون إنساناً جاهلاً فإنك لا تستفيد منه، أو يكون إنساناً فقط عنده علم ببعض المذاهب وبعض القضايا العامة ويقول: هذا داعية، ماذا تستفيد منه؟! إذا ما كان صاحب علم شرعي مؤسس فليس بقرين يصلح أن تقتدي به.

رابعاً: أن يكون صاحب عبادة وتقوى وورع، فإنه قد يكون إنساناً بالإضافة إلى ما تقدم قد يكون عنده أشياء من المعاصي أو الكبائر أو أنه إنسان يرتكب المنكرات والمعاصي فلا خير لك حينئذ في صحبته، فلا بد أن يكون إنساناً تقياً وورعاً، صاحب عبادة، بعيداً عن الشبهات، وقافاً عند حدود الله، يفعل الواجبات ويجتنب المحرمات، تظهر آثار الطاعة عليه.

خامساً: أن يكون حسن الأخلاق، لأنك لا بد أن تتأثر به، فإذا كان عنده حدة، وسريع الغضب، وينتقم لنفسه، ويجادل بالباطل، وهو إنسان عاق لوالديه، وهو يستعمل السباب والشتائم، فعند ذلك سيكون تأثرك به سلبياً، فلا بد أن يكون على خلق حسن.

سادساً: أن يكون مهتماً بالدعوة إلى الله وهداية الناس وأحوال إخوانه المسلمين، ينبغي أن يكون عنده إلمام بهذا، وليس متقوقعاً على نفسه أن يكون إنساناً داعية، يخرج ويذهب ويتنقل من مكان إلى آخر يدعو وينير للطريق يهدي هداية الدلالة والإرشاد ويهتم بأحوال المسلمين من إخوانه ولو كانوا في أطراف الأرض.

سابعاً: أن يكون صاحب منهج في التربية، يعرف كيف يربي الناس، يعرف كيف يأخذهم درجة درجة، يعرف الأوليات، عنده مفهوم التدرج واضح، تستطيع أن تستفيد منه في التربية.

وقد تقول لي: هذه أين تتوفر، هذا كالكبريت الأحمر؟ أقول لك: الحمد لله النماذج موجودة، لكن قد تقل عند أناس وتكثر عند أناس، أو بعضها يقل عند شخص ويكثر عند آخر، فسددوا وقاربوا، وانتق الأشخاص.

هذه القضية خطيرة وحساسة، ينبغي أن تنتقي الشخص الذي تقتدي به، تنتقي الشخص الذي يوجهك ويربيك وليس أي واحد من الشارع، لا بد أن تتفرس فيه وتتأمل في أحواله وتسمع له وتنظر وترى تقول: هل هو صاحب عقيدة، هل يظهر شيئاً من المفاصلة، هل يظهر شيئاً من الولاء والبراء، هل هو صاحب سنة، كيف منهجه في الفقه، كيف يعتمد على الدليل أم يقلد تقليداً أعمى، هل يهتم بالعلم أم هي مسائل عامة هكذا، هل هو صاحب منهج واضح وعنده أشياء تتدرج وينتقل من مرحلة إلى أخرى، فيتضح لك: أهو قائم على الحماس وعلى الكلام الفاضي، أو أنه إنسان عنده أساسيات يأخذ الناس بالأسس، وهكذا تتبين عند ذلك من هو الشخص الذي تقتدي به وترتضيه لك قدوة ومربياً ومن لا.