للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من مظاهر نقص الاستقامة: التهاون في السنن والمستحبات]

إن مرض نقص الاستقامة قد أدى إلى حصول تهاونٍ بالسنن والمستحبات، وهناك قسمان: نقص الكمال الواجب ونقص الكمال المستحب، فأما نقص كمال الاستقامة الواجب فقد ذكرنا أمثلة منه كثيرة، ولكن ينبغي أن ننتبه لمرض نقص كمال الاستقامة المستحب.

الكمال كمالان: كمال واجب لا بد أن يؤتى به.

وكمال مستحب ولكن التفريط والتضييع أدى إلى الوقوع في أنواع من التهاونات.

فأقول: إن مرض نقص الاستقامة قد أدى فيما أدى إلى الاستهانة بالسلوك، حتى السواك ورص الصفوف التي يعتبرها بعض الناس أشياء ثانوية وجانبية، أي: أنهم يمكن أن يهملوها، مع أنك يا أخي المسلم لو تتبعت الأحاديث الواردة في السواك لرأيت أمراً عجباً، وقد صنف بعض العلماء كتباً في السواك فقط، والذي يتتبع هذا الأمر يخرج بانطباع أن الشريعة تريد تكميل المسلم وإحاطته من جميع الجوانب، وأن تجعله في أحسن صورة، لكن بعض الناس يصرون على الإهمال والتضييع لهذه السنن، ويقولون: هذه قشور، اترك وابتعد.

نحن لم نقل: اجعلها أولويات في الدعوة، أو قدمها على ما هو أعظم منها من الأعمال، لكن ألا تعملها وتتركها نهائياً، والذي حصل من أنواع التأخرات والتهاونات في السنن أدى إلى أشياء سيئة، فمثلاً: التهاون في النوافل، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت؛ فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت؛ فقد خاب وخسر، وإن انتقص من فريضة -لو انتقص من الطهارة أو الشروط أو الأركان أو الواجبات أو الخشوع- قال الرب: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك) أي: لو نقص من الزكاة؛ يكمل من الصدقة، لو حدث رفث وفسوق وجدال في الحج؛ يكمل من حج النافلة، فكيف نضيع النوافل إذا كانت النوافل مهمة في تكميل النقص الحاصل في الصلوات الواجبة والفرائض؟ وكذلك التهاون في الصدقات وصيام النافلة وغيرها من العبادات.

ومن الأشياء التي تحدث في هذا الجانب أيضاً: التكاسل عن التبكير للصلاة، وخاصة صلاة الجمعة وصلاة الجماعة، ولقد هدد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ولا يزال أناس يتأخرون حتى يؤخرهم الله)، وقال صلى الله عليه وسلم: (احضروا الجمعة وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد؛ حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها) حديث صحيح.

وكذلك يوقع في أخطاء، فمن الأخطاء التي يوقع فيها مثلاً: الإسراع أثناء الحضور إلى المسجد إسراعاً يخل بالخشوع، مع أن السنة الإتيان إلى المسجد بالسكينة والوقار: (إذا ثُوب للصلاة؛ فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة؛ فهو في صلاة) فلماذا يركض؟ ولماذا يستعجل؟ ولماذا يجري فيدخل في الصف لاهثاً لا يلتقط أنفاسه إلا بصعوبة، فيفوت عليه الخشوع وحسن القراءة؟ قد نقع في أخطاء من جهة التطويل في الإمامة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة، وإذا صلى بنفسه فليطول ما شاء) والمقصود التطويل غير الشرعي، أما أداء الصلاة كما أمر الله وإتقانها كما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا من اتباع السنة.

من الأمور التي يحصل فيها تفريط أيضاً في قضايا المستحبات: عدم التورع عن المشتبهات والوقوع في الشبه، وهذا يؤدي إلى الوقوع في الحرام، وهذا يقول لك: هذا مطلي بالذهب، وهذا يقول: هذا كذا، وموقفنا الصحيح إن كان فعلاً عندنا استقامة جادة على الشريعة أن نترك هذه المشتبهات (اجعلوا بينكم وبين الحرام ستراً من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه، ومن ارتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه، وإن لكل ملكٍ حمى، وإن حمى الله في الأرض محارمه).

إن كثرة النزول إلى الأسواق، وما فيها من المنكرات وغشيان أماكن الاختلاط لغير حاجة ما هو إلا نقص في الاستقامة (أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) ومن الناس من همه الصفق في الأسواق.