كان أبو عبيد -رحمه الله تعالى- متصفاً بالورع أيضاً:- ومِن ورعه: أنه كان وهو رأسٌ في اللغة يستشهد بأبيات الشعر القديمة، كما يفعل أهل اللغة في بيان معاني الألفاظ، ويبينون أن الشاعر أراد بهذا اللفظ المعنى الفلاني، وأن العرب استخدموه في أشعارهم على هذا المعنى، فكانت الشواهد الشعرية تبين المعاني لهذه الألفاظ، ولكن هذه الشواهد الشعرية -وبعضها جاهلي- لم تكن تخلو من هجاءٍ، أو بعض المنكرات، وكان يذكر في بعض الشعر اسم الذي هُجِيَ به.
فمن ورع أبي عبيد -رحمه الله تعالى- أنه كان يحذف اسم الشخص الذي هُجِيَ ويستبدله بميزانه الصرفي، فمثلاً اكتشف بعض العلماء أن أبا عبيد في بعض الأشعار التي فيها هجاء لرجلٍ اسمه عتبة؛ قد حذف عتبة وجعل بدله فُعْلَة (وزن الاسم) حتى لا ينكسر البيت من جهة، وحتى يصون ذلك الشخص، ولا يَقَعَ في الأعراض بالتعيين، وكان يتحفظ من المشاركة في ذم أحدٍ أو هجائه، أو نشر ذلك، أو إشاعته.