وأيضاً: فوات مجالس العلم، كان المحدثون يحدثون في الحلقة ثم ينتهي الدرس، فبعض الناس يأتي بعد الدرس ولم يسمع الشيخ، وربما لا يسمع والشيخ وفاته الحديث، الشيخ سيحدث بأحاديث أخرى، فكان لفوات المجلس عليهم أثر عظيم، خصوصاً أن المشايخ في ذلك الوقت كانوا يشعرون الطلبة بأهمية الدرس، ولا يعيدونه حتى يقول أحد: يا أخي! إذا ما لحقت الجماعة الأولى ألحق الجماعة الثانية، المسجد -الحمد لله- فيه جماعات متوالية، المسألة عندهم يسيرة، ولكن أين أجر الجماعة الثانية من أجر الجماعة الأولى؟ كان المشايخ يعلمون الطلبة قيمة الدرس، وكان الناس في الخير الذي هم فيه يتأملون ويحسون، جاء رجل إلى الأعمش فقال: يا أبا محمد! اكتريت حماراً بنصف درهم وأتيتك لأسألك عن حديث كذا وكذا -بعد ما انتهى من المجلس- فقال: اكترِ بالنصف الآخر وارجع.
وقال يحيى بن معين: كنا عند ابن عيينة، فجاء رجل وقد فاته إسناد الحديث، فذكر الشيخ المتن، فقال هذا الآتي: أمل علي إسناده فقد فاتني الإسناد فقال: قد بلغتك حكمته ولزمتك حجته، ولم يحدثه؛ ليتعلم ويأتي مبكراً مرة أخرى.
وكان يزيد بن هارون رحمه الله إذا جاءه من فاته المجلس، قال: يا غلام! ناوله المنديل، أي: أكلنا وغسلنا والآن في التنشيف، أعطه المنديل.
وكان يزيد بن هارون يقول لرجل من ولد عمر بن الخطاب من نسله، جاء وقد فاته المجلس وسأله أن يحدثه، فقال له: يا أبا فلان أما علمت أنه من غاب خاب، وأكل نصيبه الأصحاب.
وقال الخطيب رحمه الله: وقد كان خلق من طلبة العلم بـ البصرة في زمن علي بن المديني يأخذون مواضعهم في مجلسه في ليلة الإملاء، ويبيتون هناك حرصاً على السماع وتخوفاً من الفوات، قال جعفر بن طلسطويه: كنا نأخذ المجلس في مجلس علي بن المديني وقت العصر اليوم لمجلس غد، فنقعد طول الليل مخافة ألا نلحق من الغد موضعاً يسمع فيه.
والآن بعض المشايخ لا يجدون طلاباً للدروس، وتفتح الدروس ثم تغلق، وتبدأ ولتنتهي ولا يوجد طلاب، أو ثلاثة أربعة، خمسة، من ضعف الهمم، وعدم الحرص على العلم.