[شيوخ الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام]
لا شك أن مثل هذا الإمام العلم -كما تعودنا سابقاً في الأعلام الذين سمعنا سيرتهم- لا يمكن أن يكونوا قد خرجوا من فراغ، فإنه لا بد أن يكون هذا نتاج اعتناء وتربية علماء تخرج على أيديهم، لا بد أن يكون هناك وسط علمي وعلماء كبار تخرج أبو عبيد على أيديهم، فمن هم شيوخه؟ - عبد الملك بن قريب الأصمعي المشهور، الأصمعي البصري اللغوي أبو سعيد.
- علي بن حمزة الكسائي الكوفي أحد القراء السبعة.
- أبو عبيدة معمر بن المثنى.
- يحيى بن زياد الفراء.
- هشام بن عمار مقرئ أهل الشام.
- إسماعيل بن عياش عالم الشام ومحدثها.
- سفيان بن عيينة العالم الجليل المشهور الثقة الكوفي ثم المكي محدث الحرم، الذي يعد من أشهر شيوخ أبي عبيد.
- عبد الرحمن بن مهدي العالم الكبير الذي تقدمت سيرته رحمه الله.
- عبد الله بن المبارك أمير المؤمنين في الحديث.
- هشيم بن بشير الواسطي.
- يحيى بن سعيد القطان.
- كذلك من الذين تخرج عليهم أبو عبيد في الفقه وهو الذي فتَّق له المسائل واعتنى به ووجهه إلى الفقه هو: محمد بن الحسن الشيباني، تلميذ أبي حنيفة، والذي تعلم منه أبو عبيد أشياء كثيرة، ومن ذلك ما رواه فقال: كنا مع محمد بن الحسن إذ أقبل الرشيد الخليفة، فقام إليه الناس كلهم إلا محمد بن الحسن فإنه لم يقُم، ومعلوم ما حكم القيام للداخل، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) وأن الصحابة لم يكونوا يقومون للنبي صلى الله عليه وسلم لِمَا يعلمون من كراهيته لذلك، وأن القيام للشخص الداخل دون سببٍ منهيٌّ عنه، وأن القيام إليه لإدخاله أو إجلاسه أو معانقته بعد سفر أمرٌ لا بأس به، وأن القيام عليه أمرٌ محرم أيضاً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم عاتب الصحابة على وقوفهم وهو جالسٌ في الصلاة، وقال: (كدتم تفعلون فعل فارس والروم آنفاً) يعني: أنهم يقفون على رءوس ملوكهم وهم جلوس، إلا ما يكون من أمر تعظيم الخليفة أمام الأعداء مثلما وقف المغيرة وغيره على رأس النبي عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية أمام الكفار ليروا الكفار منزلة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان لـ محمد بن الحسن الشيباني -رحمه الله- أثرٌ بالغ في فقه أبي عبيد.
ولَمَّا رتب الذهبي -رحمه الله- في ترجمة حماد بن أبي سليمان فقيه العراق المتوفى سنة: (١٢٠هـ) رتب أجيال الفقهاء، قال: فأفقه أهل الكوفة: علي وابن مسعود، أول ما تأسست هذه البلدة الإسلامية أفقه من نزل بها: علي بن أبي طالب؛ لأنه قُتل في الكوفة، وابن مسعود الصحابي الجليل أفقه من نزل الكوفة، وأفقه أصحابهما -من تلقى عنهما العلم-: علقمة، وأفقه أصحاب علقمة: إبراهيم النخعي، وأفقه أصحاب إبراهيم: حماد بن أبي سليمان، وأفقه أصحاب حماد: أبو حنيفة، وأفقه أصحابه: أبو يوسف، وانتشر أصحاب أبو يوسف في الآفاق، وأفقههم: محمد بن الحسن المذكور، وأفقه أصحابه: الشافعي رحمه الله.
ومعنى ذلك أن أبا عبيد قد عاصر الشافعي؛ لأنه إذا كان شيخه محمد بن الحسن الشيباني، ومحمد بن الحسن الشيباني أفقه من درس على يديه الشافعي، فمعنى ذلك أن أبا عبيد قرين للشافعي، وقد جلس معه عند محمد بن الحسن، وتفقه كلٌ منهما على محمد بن الحسن، وله مناظرات مع الشافعي رحمه الله.
وأبو عبيد كان لا يأنف أن يستفيد من أقرانه، فأخذ كتب الشافعي فنسخها، أي: كتبها ليطلع عليها ويستفيد منها، ولذلك تجد أبا عبيد في كتبه، ينقل عن أقوال الصحابة والتابعين وشيوخه إلى المعاصرين، فينقل من أقوالهم، كما فعل ذلك في كتاب الأموال، وهو كتاب مشهور، فنقل من أقوال الصحابة والتابعين ومن شيوخه ومعاصريه.
وروى الحديث عن القاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم، وتفقه على يديه أيضاً، وقال: جالستُ أبا يوسف ومحمد بن الحسن، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، فما هِبْتُ أحداً في مسألة ما هبتُ أحمد بن حنبل.