لنعلم -أيها الإخوة- أن جميع المعاصي محاربة لله تعالى، ولذلك قال الحسن البصري رحمه الله:[ابن آدم! هل بمحاربة الله من طاقة؟ فإن من عصى الله فقد حاربه، لكن كلما كان الذنب أقبح كان أشد محاربة لله] ولهذا سمى الله أكلة الربا وقطاع الطريق محاربين لله ولرسوله؛ لعظيم ظلمهم للعباد، وسعيهم بالفساد في البلاد.
وكذلك معاداة أولياء الله تعالى، قيل: إن آكل الربا يعطى يوم القيامة سيفاً أو رمحاً ويقال له: حارب ودافع، والله تعالى يحاربه، فكيف وأنّى تكون له الغلبة؟! ولذلك قال الله في أكلة الربا:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا}[البقرة:٢٧٩] فإن لم تتركوا أكل الربا.
{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[البقرة:٢٧٩] حرب الله عليهم ما يصيبهم به من الآفات وأنواع الانتقام، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قل) أي: يصبح في النهاية قليلاً منزوع البركة، تذهب الأموال من حيث لا يدري صاحبها، وآكل الربا لا يبارك له في ماله، فسرعان ما يذهب ويضمحل، والحرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا بما يقام عليه من التعزير والتنكيل، ومن خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وأهل الصلاح من الحكام الذين يحاربون أكلة الربا، {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[البقرة:٢٧٩].
والذي يعادي الله تعالى يحاربه الله أيضاً، ولذلك فإن أشد الناس محاربة من الله هم الذين يقعون في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم رأس الأولياء، هم قمة الأولياء، فهم أشد خلق الله بعد الأنبياء ولاءً لله تعالى، والله تعالى يحبهم، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يؤذي أصحابه:(أن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) وقال عليه الصلاة والسلام: (الله الله في أصحابي) حذرنا من الوقوع فيهم، وقال:(إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) لا تتكلموا فيهم، لا تتخذوهم غرضاً، من يؤذيهم يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يؤذيهم يوشك أن يأخذه الله، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:(من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) ولذلك فإن من أعظم الناس جرماً الذين يقعون في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: ارتدوا، ويقولون: إنهم سفكوا الدماء بالباطل، وإنهم غصبوا علياً حقه، وإنهم كفروا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنهم ظلمة وفسقة، ونحو ذلك من الألفاظ البذيئة، والشتائم العجيبة التي يلحقونها بالصحابة، فلا شك أن الذي يسب الصحابة أول واحد ينطبق عليه هذا الحديث وهو قوله تعالى:(من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب).
ولذلك ترى الذين يحاربون الصحابة يحاربهم الله في الدنيا بأن يوقع بأسهم بينهم، وأن يجعل أمورهم فتنة واختلاطاً، وأن يجعل فيهم القتل والحرب، فلا يزال أمرهم في اضطراب ونظمهم في اختلال، وأمرهم إلى زوال، فلا تقوم لهم قائمة، ولذلك لا يستقر لهم حال أبداً؛ لأنهم سبوا أولياء الله تعالى، وهم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى:(وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) لما ذكر الله تعالى أن معاداة أوليائه هي معاداة ومحاربة له، ذكر صفات هؤلاء الأولياء الذين تحرم معاداتهم وتجب موالاتهم، والموالاة هي النصرة والقرب، الولاية هي النصرة والقيام بالحق والدفاع والذب.