ومن الأسباب التي تصد عن الحق كذلك -أيها الأخوة- حصر الحق في طائفة معينة، يعتقد أنما هي عليه حق، وما عليه غيرها فهو باطل، هذا نتيجة الشيء لما ذكر قبل قليل، وتدعي كل فرقة أنها هي الناجية، وأنها هي الطائفة المنصورة، وأنها الطائفة الصحيحة وعلى المنهج الصحيح، وما سواها باطل.
سواها قد يكون من المسلمين، وقد يكون منهجهم صحيحاً، وهذه الادعاءات كثير منها كاذب:
وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك
ومن الأشياء الطريفة أن إحدى فرق القاديانية سموا أنفسهم أهل السنة والجماعة، وهذه المسألة قديمة، أعني ادعاء الحق لطائفة واعتبار الآخرين على باطل، مسلمين، يهود، نصارى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ}[البقرة:١١٣]{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة:١١١].
أحياناً الذي يرفض الحق يقول: لو كان هذا حقاً لكنت أنا أولى به من غيري، ولو أنه حق لكانت طائفتي أولى به من غيرها، ومادامت ليست عليه، فليس هو الحق قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}[الأحقاف:١١] أي: لو أن هذا الذي تدعونا إليه خيراً ما سبقتونا إليه، وقالوا:{لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:٣١] أي: لو كان هذا القرآن صحيحاً، لنزل على واحد يستحق، وهو فلان الفلاني.
وهذا المنطق مشهور ومنتشر ومتشعب في نفوس الكثيرين، فمتعصبة المذاهب يقولون: لو كان حقاً لقال به إمامي، وأنتم تعرفون طائفة من أقوال المتعصبين، ومتعصبة بعض الطوائف يقولون: لو كان حقاً لرآه قائدي أو قدوتي، ومادام أنه ما رآه فليس هو الحق، {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ}[الأحقاف:١١].