وأما موقفه من فتنة السراء لما أعطوه الأموال في عهد المتوكل، رفع المحنة المتوكل وأغدق على الإمام أحمد الأموال، فبكى الإمام أحمد وقد وجه إليه بمائتي دينار، وقال: سلمت منهم -طول المدة الماضية- حتى إذا كان في آخر عمري بليت بهم، عزمت عليك أن تفرقها غداً، فلما أصبح جاءه حسن بن البزار فقال: جئني يا صالح! بميزان وجهه إلى أبناء المهاجرين والأنصار وإلى فلان حتى فرق كل المال الذي أتاه، يقول ابنه: ونحن في حالة الله بها عليم.
وأعطي ثياباً فجعل يبكي ويقول: سلمت من هؤلاء منذ ستين سنة، حتى إذا كان في آخر عمري بليت بهم، وما أحسبني سلمت من دخولي على هذا الغلام فكيف بمن يجب علي نصحه، يا صالح! وجه هذه الثياب إلى بغداد تباع ويتصرف بثمنها، ولا يشتري أحد منكم منها شيئاً، فباعها وتصدق بثمنها.
وكان مع ذلك يخرج ويرابط، ولما صارت المحنة قالوا لـ أبي عبد الله: التقية، شرع الله التقية فقال: ما تقولون في حديث خباب؟ (إن من كان قبلكم كان ينشر بالمنشار لا يصده ذلك عن دينه) وقال: لست أبالي بالحبس ما هو ومنزلي إلا واحد، ولا قتلاً بالسيف إنما أخاف فتنة السوط فأتراجع.
فسمعه بعض أهل الحبس، فقال: لا عليك يا أبا عبد الله، فما هو إلا سوطان ثم لا تدري أين يقع الباقي.
فكأنه سري عنه وانبسط، يعني: ما دام أنه سيغيب عن الوعي بعد السوطين يتحمل السوطين وخلاص.
وكان قد استفاد من أحد السراق كان محكوماً عليه عند المعتصم بالسجن وكان يضرب، فقال: يا أحمد! إني أصبر على الضرب وأنا على الباطل، أفلا تصبر عليه وأنت على الحق؟! فقال الإمام أحمد: فثبتني كلامه.
الآن تصور كم الناس الذين اهتدوا في السجن على يد الإمام أحمد؟! جلس في السجن يصلي بالناس ويعلمهم.