ومن طرق الشياطين أن المخلوق قد يستغيث بشخصٍ حيٍ أو ميت؛ سواءً كان هذا المستغيث مسلماً أو نصرانياً أو مشركاً، فيتصور له الشيطان بصورة ذلك المستغاث، فيظن الشخص أنه هو، فإذا نادى مستغيثاً يا فلان أغثني ظهر الشيطان بصورة البدوي، وظهر بصورة أبي العباس المرسي، أو العيدروس أو أي ولي من الأولياء المزعومين، النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أن الجن يتشكلون بحيات وكلاب، إذاً يمكن أن يتشكلوا بصورة شخصٍ أيضاً، وهنا يلبس على هذا الإنسي المسكين ويظن أن الاستغاثة صحيحة فعلاً، وأن الشيخ أغاثه، وأن الميت حضر وأنجده، قال شيخ الإسلام: ومن هؤلاء من يتصور له الشيطان ويقول له: أنا الخضر، وربما أخبره ببعض الأمور، وأعانه على بعض مطالبه، فيقول له: ماذا تشتهي؟ فيقول: عنباً من المكان الفلاني، فيأتيه به، كما قد جرى ذلك لغير واحدٍ من المسلمين واليهود والنصارى، وكثير من الكفار بأرض المشرق والمغرب، يموت لهم الميت فيأتي الشيطان بعد موته على صورته وهم يعتقدون أنه ذلك الميت، وهذا هو التفسير الحقيقي لعملية تحضير الأرواح، وسيأتي عليها كلامٌ بعد قليل إن شاء الله.
فيأتي هذا الشيطان بصورة الميت ويكلم الشخص بأمورٍ دقيقة تتعلق بالميت، وقد أخبرني أشخاصٌ عن أمورٍ حدثت لهم من هذا القبيل، فعلاً يأتيه بصورة أبيه، أو يأتيه بصورة لا يراها ويقول له: أنا روح أبيك، وبصوت أبيه؛ لأن القرين الشيطان الذي مع الأب يعرف صوت الأب، ويقلد صوت الأب، وإذا كانوا ينقلون الأشياء ويتشكلون، فهم يقلدون الأصوات أيضاً، ويصف له أشياء دقيقة في البيت لا يعرفها إلا الولد والأب الذي مات، وفعلاً يخرج الواحد من عند المشعوذ والعراف مذهولاً بسبب أنه لا يعرف حقيقة القضية، ونظراً لانتشار قضية العرافين والدجالين والمشعوذين جداً، فإننا نؤكد ونركز على هذه المسألة، تدخل الشياطين لإغواء الإنس، ويصدق الإنسان فعلاً بالعراف ليوقعه في الشرك.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وربما يكونون قد أحرقوا ميتهم بالنار كما تصنع كفار الهند فيظنون أنه عاش بعد موته، ومن هؤلاء شيخٌ كان بـ مصر أوصى خادمه فقال: إذا أنا مت فلا تدع أحداً يغسلني، فأنا أجيء وأغسل نفسي، فلما مات رأى شخصاً في صورته فاعتقد أنه هو دخل وغسل نفسه، فلما قضى ذلك الداخل غسله غاب، وكان ذلك شيطانه، فإذاً لا تستغرب إذا سمعت ببعض الأخبار، فإن القضية واضحة لأهل الحق وضوح الشمس، دجالون ومشعوذون، كهنة وسحرة، وعرافون يتعاونون مع الشياطين لإضلال الناس، وهؤلاء المساكين الذين لم يستقر التوحيد في قلوبهم ينخدعون.
نسأل الله تعالى أن ينور بصائرنا، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا على الحق مستقيمين، وبالتوحيد عاملين إنه سميعٌ قريبٌ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.