إننا لا نحرم ولا نتكلم عن تحريم هذه الأمور مطلقاً؛ فإنه لا بأس أن تتكلم النساء في مجالسهن عن أخبار الزيجات مثلاً، أو يتكلم الموظفون عن المشاكل التي تواجههم في وظائفهم، أو يتكلم التجار عن المشاكل التي يواجهونها ويتبادلون الخطرات هذا أمر لا بأس به، وإن الإسلام لم يحرم هذا، ولكن المذموم والمحذور الذي نتكلم عنه هو أن يكون شغل الجالسين من أول المجلس إلى نهايته هو الكلام عن الدنيا، وعن هذه الأشياء، لدرجة أنك لا تسمع في هذه المجالس آية واحدة ولا حديثاً واحداً، ولا حتى كفارة المجلس ولا ذكراً لله بأي صورة من الصور.
هذه الحالة الخطيرة التي نتكلم عنها الآن الشغل الشاغل للناس في المجالس هو الدنيا، هذا إذا كان الكلام مباحاً فالاشتغال في هذا المباح من أول المجلس إلى نهايته مذموم شرعاً، فكيف إذا كان الكلام في المجالس عن الأمور المحرمة شرعاً، والوقوع في كبائر الذنوب؟! كيف إذا كانت المجالس مجالس غيبة ونميمة ونهش أعراض الناس وأكل لحومهم؟! قال الله تعالى:{وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً}[الحجرات:١٢].
كيف إذا كانت المجالس مجالس كذب وبهتان وسخرية؟! والرسول صلى الله عليه وسلم:(لا يعضه بعضكم بعضاً) والعضه: هي الكذب والبهتان والنميمة كما ذكر العلماء.
كيف إذا كانت مجالسنا اليوم مجالس سخرية بعباد الله عز وجل وتنابز بالألقاب والله يقول:{لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ}[الحجرات:١١]؟! ويقول:{وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}[الحجرات:١١] كيف إذا كانت مجالسنا اليوم مليئة بالفسوق والتعيير والسباب والشتائم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان) حديث صحيح؟! كيف إذا كانت مجالسنا اليوم مجالس مدح ومجاملات ونفاق ومداهنة ورسول الله عليه الصلاة والسلام يصف مدح الرجل في وجه أخيه بأنه كقطع عنقه، وقال الله تعالى قبل ذلك:{فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}[النجم:٣٢]؟! كيف إذا كانت مجالسنا اليوم مجالس سخرية بالدين واستهزاء بالمتمسكين به، وانتقاص من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مظهره وأخلاقه وآدابه؟! كيف إذا كانت المجالس اليوم مجالس استهزاء بشريعة الإسلام وأحكام الدين؟! يقول أحدهم في مجلس: تريدون أن ترجعوا بنا إلى شريعة العين بالعين والسن بالسن؟! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
أيها الإخوة: ما فتئت مجالس المسلمين اليوم تعج بالاستهزاء والانتقاص من دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا حول ولا قوة إلا بالله! أيها الإخوة: مجالسنا فيها استهزاء بعباد الله بشتى الصور، فتجد رجلاً يقلد إنساناً في صوته أو عادة من عاداته، فيقول: هذا فلان كأنه كذا هذا فلان كأن كلامه كذا كأن مشيته كذا كأن ثوبه كذا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ عائشة:(ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا) لو أعطيت كذا وكذا من الدنيا لا أحكي حال إنسان، قال العلماء في شرحه: أي: لا أذكر إنساناً وأقلده بحركاته وهيئاته على سبيل التنقص.
وقصة هذا الحديث أن عائشة لما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم:(حسبك من صفية أنها كذا وكذا -تعني: أنها قصيرة- فقال عليه الصلاة والسلام: لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) أي: لخالطته مخالطة يتغير بها طعمه وريحه لشدة نتنها وقبحها، فكيف بالألفاظ اليوم التي تنطلق في مجالس المسلمين؟! أيها الإخوة: مجالسنا فيها كثير من المحرمات والمخالفات للشريعة، فتجد -مثلاً- اثنين يتناجيان وثالث موجود، قال عليه الصلاة والسلام:(إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث)، وعللها بقوله:(لأجل أن ذلك يحزنه) وتجد اليوم أن المناجاة مرض واقع في مجالس المسلمين، حتى في طريقة الجلوس في المجالس تجد فيها انكشاف العورات، فتجد بعض الرجال الذين لا يلبسون تحت ثيابهم لباساً سابغاً يرفع إحدى رجليه على الأخرى ويجلس جلسة ينكشف منها فخذه، و (الفخذ عورة) كما قال عليه الصلاة والسلام، ثم يأتي هذا الرجل ويجادل، ويقول: متى كان الرجل له عورة؟ هل نحن نساء حتى تنبهونا إلى هذه المسألة؟ سبحان الله على جهل المسلمين بأحكام العورات! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(يا جرهد! غط فخذك فإن الفخذ عورة).
وحتى في طريقة الأكل والشرب في المجالس مخالفات كثيرة في الأكل والشرب باليسرى مثلاً، إلى عدم التسمية إلى غير ذلك، حتى في طريقة النقاش والحديث من الأمور التي تخالف قواعد الإسلام وآدابه من رفع للصوت، وحدة وغلظة، ومقاطعة في الحديث، ويسبق الصغير الكبير في الحديث، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(كبر كبر) أي: ابدأ بالأكبر.