وقال صلى الله عليه وسلم:(ثلاثةٌ يُحبهم الله: الرجل يلقى العدو في فئةٍ فينصب لهم نحره -أي: مقبلاً غير مدبر- حتى يقتل أو يفتح لأصحابه، والقوم يسافرون فيطول سراهم -مشيهم في الليل- حتى يُحبوا أن يمسوا الأرض من التعب، فينزلون فيتنحى أحدهم -لا ينام- فيُصلي حتى يوقظهم لرحيلهم، والرجل يكون له الجار فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن) بأن يرتجل هذا عن الآخر.
فتأمل الآن في أحوال هؤلاء الأصناف، فالله -عز وجل- يُعطي الناس بحسب أعمالهم وما في قلوبهم من الإيمان، إذ أن الرجلين يتساويان في صورة العمل، ولكن يكون أحدهما أعظم أجراً من الآخر وذلك بسبب ما قام في قلبه من الإيمان.
هذا رجل يمشي مع إخوانه في السفر، فلما طال السفر وتعبوا نزلوا، وبدلاً من أن ينام من التعب آثر الله فجاهد نفسه، فقام يُصلي حتى أيقظهم، عملٌ عظيم في الليل وأصحابه نيام وهو لا يراه أحد إلا الله عز وجل.
وأيضاً جار صبر على أذى جاره، وما أكثر أذية الجيران لجيرانهم في هذه الأيام! برفع الأصوات، وطرق الأبواب، والفوضى والإزعاج، ورمي القاذورات، وفتح النوافذ من بعضهم للإشراف على عورات الجار الآخر أمورٌ كثيرة، فمن صبر حتى فرَّق الله بينه وبين جاره المؤذي بموت أو ظعن فإنه ممن يحبهم الله.
وقال صلى الله عليه وسلم في بيان فضل المجاهد:(لقيام رجلٍ في الصف في سبيل الله -عز وجل- ساعةً أفضل من عبادة ستين سنة) رواه البيهقي وغيره، وهو حديث صحيح.
وقال عليه الصلاة والسلام:(موقف ساعةٍ في سبيل الله خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود) رواه ابن حبان وغيره عن أبي هريرة مرفوعاً وهو حديث صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم:(حُرِّم على عينين أن تنالهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس الإسلام وأهله من أهل الكفر) حديث حسن.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم قيام هذه الساعة في ذلك الموقف في جهادٍ تحت راية الإسلام لإعلاء كلمة الله.
اللهم لا تحرمنا هذا الأجر برحمتك يا أرحم الراحمين، وإنني لأظن أن من باتت عينه تحرس الإسلام من الدس، والافتراءات، والبدع، والشبهات التي يذيعها ويسطرها أهل الكفر والنفاق، فيقوم فيصدع ويرد عليها، ويحذِّر الناس منها، أن ذلك ليدخل في هذا الحديث:(وعينٌ باتت تحرس الإسلام وأهله من أهل الكفر).