[ابن المديني وفن علل الحديث]
ومن أبرز الأشياء التي كان علي بن المديني رحمه الله بارعاً فيها: علم العلل.
وفن العلل هو أصعب نوع من أنواع الحديث: الحديث المعلل؛ لأن العلة سبب خفي غامض يطرأ على الحديث، فيقدح فيه، العلة شيء خفي؛ ولذلك خص الله به عدداً قليلاً، ونفراً يسيراً ممن يدعي علم الحديث.
ومن الأشياء التي تساعد على اكتشاف الحديث: جمع الطرق، ينظر المتخصصون في طرق الحديث فيكتشفون العلة.
إذاً: من أسباب اكتشاف العلة: جمع طرق الحديث الواحد.
قال علي بن المديني: الباب إذا لم تُجْمَع طرقه، لم يتبين خطؤه.
وربما ما انكشفت العلة إلا بعد وقت طويل.
قال علي بن المديني: ربما أدركت علة الحديث بعد أربعين سنة.
وقال أحمد بن حنبل: أعلمنا بالعلل علي بن المديني.
وقال الذهبي: كان ابن المديني رأساً في الحديث وعلله.
ابن العلائي رحمه الله عندما عرَّف من علل الحديث قال: وهذا الفن -فن العلل- أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكاً، ولا يقوم به إلا من منحه الله فهماً غايصاً، واطلاعاً حاوياً، وإدراكاً لمراتب الرواة، ومعرفةً ثاقبةً.
ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن وحُذَّاقهم.
مَن الذي تكلم في العلل؟ لا يتجرأ أحد أن يتكلم في العلل إلا نَفَرٌ يسيرٌ من المحدثين، ليس أي محدث يتكلم في العلل، مَن الذي يتكلم في العلل؟ - علي بن المديني.
- البخاري.
- الدارقطني.
- أبو زرعة الرازي.
- أبو حاتم.
ومن المتأخرين كذلك من بعدَهم: - الترمذي.
- ابن رجب.
الحديث المعلل: هو من أغمض أنواع العلوم وأدقها، ولا يقوم به إلا من رزقه الله تعالى فهماً ثاقباً، وحفظاً واسعاً، ومعرفةً تامةً بمراتب الرواة، ومَلَكةً قويةً بالأسانيد والمتون، ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل من أهل هذا الشأن، كما يقول ابن حجر رحمه الله، مثل: - علي بن المديني.
- وأحمد بن حنبل.
- والبخاري.
- ويعقوب بن شيبة.
- وأبو حاتم.
- وأبو زرعة.
- والدارقطني.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في مقدمة الفتح: لا ريب في تقديم البخاري، ثم مسلم على أهل عصرهما، ومَن بعده من أئمة هذا الفن، في معرفة الصحيح والمعلل، فإنهم لا يختلفون في أن علي بن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث، وعنه أخذ البخاري ذلك.
إذاً: أعلم أهل زمانه بعلل الحديث: علي بن المديني، وهذه المسألة الشاهد فيها: أحمد بن حنبل رحمه الله، وعن علي بن المديني أخذ البخاري فن العلل، فالذي ورث منه البخاري فن العلل هو: علي بن المديني.
وكان لـ علي بن المديني بين معاصرية مكانةٌ بالغةٌ عظيمةٌ.
وهذا يحيى بن سعيد القطان يكرمه غاية الإكرام وهو شيخه، ويقول: الناس يلوموني في قعودي مع علي وأنا أتعلم من علي أكثر مما يتعلم علي مني.
وهذا فيه تواضع من جهة، وفيه حقيقة من جهة أخرى.