للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعظيم الشرع لشهر رجب]

عباد الله! هذا شهركم، شهر رجب المحرم قد دخل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حُرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان).

أما قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض) فقد ذكر بعض أهل العلم في معناه: أن أهل الجاهلية كانوا يتلاعبون بالأشهر الحرم، فإذا طال عليهم توالى ثلاثة أشهر حُرم: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم لا يقاتلون فيها أنفسهم، شق ذلك عليهم وثقل وأرادوا القتال، فماذا يفعلون بمحرم؟ يقدمونه، يؤخرونه، ويستعملونه في القتال، ويحرمون صفر مكانه، ويتلاعبون في الأشهر الحرم، فيقدمون ويؤخرون، ويزيدون وينقصون، ويحلون ما أرادوا تحليله ويحرمون بدلاً منه، إلى أن جاء الإسلام فوافق حجة الوداع رجوع التحريم إلى محرم الحقيقي، ورجع كل شهرٍ إلى حقيقته التي خلق الله عليها السماوات والأرض، وصارت المطابقة بين الواقع وبين ما قدره الله وشرعه، في تلك الحجة -حجة الوداع- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض).

أما قوله: (ورجب مضر) فإن مضر: حيٌ من أحياء العرب وقبيلة من قبائلهم، أضاف رجب إليهم؛ لأنهم كانوا أشد العرب تعظيماً له، وسميت الأشهر الحرم لعظم حرمتها، وحرمة الذنب فيها، ولذلك قال الله: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:٣٦] وكان القتال محرماً على المسلمين في الأشهر الحرم في أول الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك وأمر بقتال المشركين في أي زمان وفي أي مكان، وهذا قول جمهور أهل العلم، ونص على نسخه الإمام أحمد رحمه الله وغيره.