عباد الله: لما كانت الشريعة تريد إقامة البيوت على أساس الدين رغبت الشاب في البحث عن ذات الدين، وكذلك الولي أن يبحث عن الصالحين فجاءت بالطرفين من هنا ومن هناك، فمن هنا:{وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ}[النور:٣٢] أي: أنكحوا الصالحين، ومن هناك:(فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وإذا قال إنسان: فكيف أعرفها والمصائب نسمعها تترى وتتابع في هذا الزمان من بنت من عائلة نعرفها بأنها محافظة، ثم نفاجأ بالقصص العجيبة عنها؟! فنقول: إن ذلك من سوء الاستقصاء ولا شك، فهلاَّ اكتمل بحثك -يا عبد الله- ويا أيها الشاب! وهلا استقصيت في السؤال لكي تعرف عن حالها؟ وهناك سبل مشروعة من استخدام محارمك من النساء للبحث عن حال هذه الفتاة، أليست في مدرسة يوجد فيها من يعرف حالها؟ أو في حي يوجد فيه جيران يعرفون حالها؟ أو أقارب يعرفون حالها؟ وكذلك إذا أردنا أن نبحث عن الرجل الصالح التمسناه في المسجد، هل هو يواظب على الصلاة فيه أم لا؟ فكذلك المرأة الطيبة تغشى الأماكن الطيبة، وقد صار -ولله الحمد- من مدارس تحفيظ القرآن وغيرها من الأماكن الطيبة ما هو مظان وجود الفتيات الطيبات؛ ولذلك فإن الاستقصاء والبحث والسؤال أمر في غاية الأهمية، والتماس مثل هذه الفتاة في مظان الصالحات أمر في غاية الأهمية، ولما كانت المرأة عاجزة أو ضعيفة، وقليلة الحيلة في السؤال والاستقصاء عن الرجل لم يجعل الشارع الأمر إليها، وإنما جعله إلى ولي رجل، ولما كانت الفتاة المتقدم إليها عاجزة أو قليلة الحيلة في الاستقصاء عن حال هذا الرجل، فلا تستطيع أن تذهب إلى مكان عمله ولا إلى حيه، ولا أن تسأل معارفه؛ جعل الشارع الأمر بيد ولي رجل مؤتمن يقوم عليها، فيسأل لها عن المتقدم إليها ويعرف حاله، وهذه أمانة عظيمة من لم يقم بها فقد خان، والخيانة إثمها كبير وذنبها شديد عظيم، فليتق الله تعالى من استؤمن، وليتق الله من سئل، ومن أشار على أخيه المسلم أو على أخته المسلمة بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه، فويل للذين يكتمون العيوب التي تمنع من النكاح، وويل للذين يكتمون حال الأزواج أو حال الشباب أو الفتيات عند السؤال، وهم يعلمون أن هذا الأمر مهم بيانه، وأن هذه الأمانة التي إذا ضيعت حصل خلل كبير في الزواج، وكان الإنسان الخائن سبباً في عقد نكاح لا يرضى أحد الطرفين به لو كان يعلم الحقيقة، ومن غش المسلمين فليس منهم كما قال صلى الله عليه وسلم:(من غشنا فليس منا).